سيدني 2000: الدورة الأفضل تُدخل الألعاب الأولمبية عصرها الجديد

نيقوسيا (أ ف ب) –

إعلان

أعلن رئيس اللجنة الاولمبية الدولية الماركيز خوان أنطونيو سامارانش اختتام دورة سيدني الأولمبية في الأول من تشرين الأول/أكتوبر عام 2000، بعد منافسات انطلقت في 15 أيلول/سبتمبر، وثبّت تفوقها على الصعد كافة بعبارته الشهيرة "أعلن نهاية الألعاب الأولمبية في سيدني، الأفضل في التاريخ".

هذه الجملة التي انتظرها الجميع منه، لتصبح "سيدني 2000" نهاية ناجحة للقرن العشرين، ومتنفسًا للحركة الأولمبية ولجنتها الدولية بعد "فشل" أتلانتا قبل أربعة أعوام وافتضاح أمر "رشاوى" منح استضافة الألعاب الشتوية سنة 2002 إلى مدينة سولت لايك سيتي الأميركية.

ووسط غمرة الفرح في الصفحة الأخيرة من ألعاب سيدني التي جاءت بمثابة "نفحة إنعاش"، تساءل محبو الرياضة "هل بدأ عصر جديد للألعاب الاولمبية؟"

وهؤلاء انتظروا الموعد الجديد في القارة البعيدة بلهفة من ينتظر النسيم العليل أيام القيظ، وبعدما غادر كثر منهم أتلانتا محبطين ومنزعجين بسبب فظاظة المنظمين والفشل التكنولوجي وفوضى المواصلات.

وجاء حفل الافتتاح بمثابة حلم صيفي وتحية لثقافة المواطنين الأصليين وأنشودة للمصالحة. وعبّر الحفل بشكل خيالي عن تاريخ أستراليا.

احتضنت أستراليا الألعاب للمرة الثانية في أقل من نصف قرن، وكانت الأولى في ملبورن عام 1956، لكن شتان بين المناسبتين، فمن تأجج الصراع بين الشرق والغرب ونشوء حركات التحرر والمحاور والكتل والاعتداءات والاجتياحات، إلى بزوغ العولمة الكبيرة، إذ جمعت الدورة الأخيرة 10651 مشاركًا بينهم 4069 امرأة من 199 دولة، وهو رقم قياسي جديد.

وسار وفد تيمور الشرقية خلف الراية الأولمبية، ومشى مشاركو الكوريتين معًا في طابور العرض.

وكان الجميع على موعد المنافسة في 300 مسابقة ضمن 29 لعبة هي: ألعاب القوى والتجذيف وكرة السلة والبادمنتون والبيسبول والملاكمة والكانوي-كاياك والدراجات والفروسية والمبارزة وكرة القدم والجمباز ورفع الأثقال وكرة اليد والهوكي على العشب والجودو والمصارعة والسباحة والخماسي الحديث والسوفت بول وكرة المضرب وكرة الطاولة والكرة الطائرة بما فيها الشاطئية والتايكواندو والرماية والقوس والسهم والترياتلون والألواح الشراعية.

ودخلت رسميًا البرنامج المثقل والمزدحم مسابقات الترياتلون والتايكواندو والخماسي الحديث ورفع الأثقال للسيدات.

سيدني التي تفوقت على بكين ومانشستر وبرلين وإسطنبول في الحصول على شرف تنظيم الألعاب، نظمت حفل الافتتاح في أكبر استاد أولمبي في العالم تبلغ سعته 110 آلاف متفرج، وأوقدت الشعلة العداءة كاتي فريمان من السكان الأصليين، وتلت قسم المتبارين لاعبة الهوكي على العشب ريستيل هواكس.

وفاق أعداد أفراد "العائلة الأولمبية" في هذا العرس الكبير مئة ألف شخص منهم 47 ألف متطوع و16 ألف صحافي وإعلامي، وتابعه نحو 7.3 مليارات نسمة في مختلف أنحاء العالم. وحصد أبطال من 80 دولة ميداليات بينها 51 حصل أفرادها على الذهب، وبقيت الولايات المتحدة القوة العظمى وبلغ رصيدها 93 ميدالية بينها 37 ذهبية، تلتها روسيا بـ89 ميدالية (32)، ثم الصين بـ58(28). وحلت أستراليا رابعة بـ58 ميدالية (16)، وتقدمت على كل من ألمانيا (56-13) وفرنسا (38-13).

وبالنسبة إلى عدد الميداليات حسب عدد السكان، تأتي جزر الباهاماس في المرتبة الأولى بنسبة ميدالية لكل 150 ألف مواطن، والهند في المرتبة الأخيرة بميدالية برونزية واحدة لكل مليار شخص!

وفي أستراليا التي تشتهر بوجود أكبر نسبة من السكان المزاولين للرياضة في العالم، اعتمدت فحوصات ايبو وتحليل الدم للحد من المنشطات.

وكشفت عمومًا تسع حالات لمتنشطين عدد الفحوصات التي أجريت عن 2000 منها 201 خارج المسابقات.

ويبدو أن الخوف من الغش أثنى الكثيرين عن اللجوء إلى المنشطات، وأدى بالتالي إلى التزام الحيطة والحذر، لذا لم يكسر أي رقم قياسي عالمي في ألعاب القوى، بينما كثرت حالات التنشط في رفع الأثقال التي شهدت تحطيم 16 رقمًا قياسيًا أسهمت فيها السيدات اللواتي تبارين للمرة الأولى أولمبيًا، وكانت الصينيات أبرزهن وأقواهن، وأول المتوجات البلغارية إيزابيلا دراغنيفا (وزن 48 كلغ).

وأبرز الذين اكتُشف تورطهم، بطل العالم في رمي الكرة الحديد الأميركي سي جاي هانتر زوج العداءة الشهيرة ماريون جونز، ولاعبة الجمباز الرومانية أندريا رادوكان.

وإذا كان هانتر لم يشارك في المسابقة، فإن رادوكان جُرّدت من ذهبيتها في مسابقة الفردي العام، ومنحت لمواطنتها سيمونا امانار.

وبلغ حصاد الأرقام القياسية العالمية 15 رقمًا في السباحة وهو الأكبر بعد دورة مونتريال 1976 (29 رقمًا)، و16 في رفع الأثقال ورقمين في الدراجات ورقمًا في الرماية.

وتوجت جونز نجمة "سيدني 2000" على رغم فشلها في تحقيق حلمها في إحراز خمس ذهبيات، فنالت ثلاث من المعدن الأصفر في سباقات 100 و200 م والتتابع 4 مرات 400 م وبرونزيتين في التتابع 4 مرات 100 م والوثب الطويل، المسابقة التي استعادت لقبها الألمانية هايكه دريشلر بطلة 1992 وثانية 1988.

لكن جونز جُردت من ميدالياتها عام 2007 بعد اعترافها بتناول مواد منشطة.

- جونسون يكمل مجموعته الأولمبية -

ودخل أميركي آخر على خط النجومية هو مايكل جونسون، إذ بات أول عداء يحتفظ بلقبه في سباق 400 م، ثم أكمل مجموعته الأولمبية بذهبية التتابع 4 مرات 400 م، رافعًا رصيده إلى خمس ذهبيات منذ دورة برشلونة 1992.

وفرض مواطنه موريس غرين بطل العالم وحامل الرقم القياسي في 100 م (9.79 ث) نفسه أسرع عداء في العالم وانتزع ذهبية السباق (9.87 ث)، وأضاف إليها أخرى في التتابع 4 مرات 100 م.

ومع "هروب" الفرنسية ماري جوزيه بيريك وتواريها وسط غموض كبير لتصرفها المباغت، إذ زعمت أن حياتها في خطر، خلت الساحة للأسترالية فريمان لتفوز في سباق 400 م معززة رقمها الشخصي (49.48 ث)، وقامت بلفة شرفية محيية 100 ألف متفرج وبيدها العلم الأسترالي وعلم سكان أستراليا الأصليين التي تنتمي إليهم، وأعلنت "كنت أنتظر بفارغ الصبر اجتياز خط النهاية لأنهي أربع سنوات من الانتظار".

وحافظ الإثيوبي هايله جيبريسيلاسي على لقبه في سباق 10 آلاف م، وانتزع الفوز من الكيني بول تيرغات قبل مترين من خط النهاية في سباق مثير حُبست فيه الأنفاس طويلًا، محققًا إنجازًا سبقه إليه التشيكوسلوفاكي إميل زاتوبيك (1948 و1952) والفنلندي لاسي فيرين (1972 و1976).

و"زامل" التشيكي يان زيليزني الأميركي كارل لويس في سجل الكبار، كونه احتفظ للمرة الثالثة بلقب رمي الرمح، وهو إنجاز سبقه إليه لويس في الوثب الطويل.

وفجّر اليوناني قسطنطينوس كنتيريس المفاجأة بإحرازه سباق 200 م، مقصيًا المرشح الأوفر خطأ الترينيدادي أتو بولدون، وباتت ناوكو تاكاهاشي أول يابانية تحرز ذهبية الماراثون، والأميركية ستايسي دراغيلا أول امرأة تحصد الذهب في القفز بالزانة.

في المقابل، فشل حامل لقب سباق 1500 م الجزائري نور الدين مرسلي وخرج من الدور نصف النهائي، وأخفق بطل العالم المغربي هشام الكروج مرة جديدة واكتفى بالميدالية الفضية خلف الكيني نواه نغيني. والأمر ذاته ينطبق على الدانماركي الكيني الأصل ويلسون كيبكتيير الذي خسر معركة سباق 800 م في مصلحة الألماني نيلس شومان وبفارق 6.0 ثوان.

كما خاب أمل بطل برشلونة 1992 في 100 م الكندي دونوفان بايلي الذي خرج من نصف النهائي، وحامل الرقم القياسي في المسابقة العشارية التشيكي توماس دفوراك الذي حل خامسًا، والأوكراني سيرغي بوبكا في القفز بالزانة.

ولم توفر اللعنة الروسية سفيتلانا ماستركوفا بطلة 800 و1500 م، فأقصيت في الدور الأول لسباق 1500 م إثر توقفها بداعي الألم في ساقها اليسرى، وحرم جرح الاميركية غايل ديفرز من المتابعة في سباق 100 م حواجز فخرجت في نصف النهائي ولم تستطع الدفاع عن لقبها.

كما أخفقت بطلة السباعية السورية غادة شعاع وانسحبت بعد سباق 100 م حواجز، بداعي الإصابة.

وفشل الرباعي التركي نعيم سليمان أوغلو (33 عامًا) في إحراز لقبه الرابع على التوالي (وزن 62 كلغ)، فعاد لقب بطل الحديد إلى مواطنه هليل موتلو (وزن 56 كلغ)، فيما اعتبر الإيراني حسين رضا زاده بطل وزن فوق 105 كلغ "هرقل الألعاب".

وعاد بخفي حنين، المصارع الروسي الشهير ألكسندر كارلين (وزن 130 كلغ) الذي تعرض لخسارته الأولى منذ 1987، على يدي الأميركي المغمور رولون غاردنر (19 عامًا)، والسباح الروسي ألكسندر بوبوف الذي خسر سباقي 50 و100 م حرة.

وفشل المنتخب البرازيلي لكرة القدم في إحراز اللقب الوحيد الذي تخلو خزانته منه، لا بل خسر في ربع النهائي أمام الكاميرون التي أحرزت اللقب في ما بعد مؤكدة سيطرة الكرة الإفريقية على المسابقة الأولمبية، بعدما نالت نيجيريا شرف أن تكون أول منتخب إفريقي يفوز بذهبية الألعاب في أتلانتا 1996.

وفي السباحة التي عرفت اللباس الثوري الجديد، تفوق الأميركيون على الأستراليين، إذ حصدوا 33 ميدالية منها 14 ذهبية أي أفضل من أتلانتا حيث جمعوا 26 ميدالية نصفها من المعدن الأصفر، في مقابل 5 ذهبيات لكل من أستراليا وهولندا.

ولفت الأنظار "الطائر" الهولندي بيتر فان دن هوغنباند الذي أبطل مفعول "توربيدو" الأسترالي ايان ثورب عندما تفوق عليه في نهائي 200 م حرة أمام 17 ألف متفرج، واكتفى الأخير بالميدالية الفضية بعد إحرازه ذهبية سباقي 400 م حرة والتتابع 4 مرات 100 م.

أما هوغنباند فأصبح أول من يكسر حاجز 48 ثانية في 100 م حرة (47.84 م) النهائية، وحصد لاحقًا الذهبية إضافة إلى برونزيتين في التتابع، وذهبية 50 م.

وحذت حذوه مواطنته اينغي دي بروين ففازت في سباقات 50 و100 م حرة و100 م فراشة "وكللت" انتصاراتها بثلاثة أرقام قياسية أيضًا.

وتميزت الأميركية جيني طومسون التي أسهمت في فوز بلادها في ذهبية البدل 4 مرات 100 م متنوعة، وحصدت ميداليتها الاولمبية التاسعة.

وقبضت أستراليا مجددا على لقب المسابقة الكاملة في الفروسية أحد أجمل المسابقات الاولمبية والمتضمنة الترويض وسباق العمق والقفز على الحواجز، وتوجت للمرة الرابعة والثالثة على التوالي بعد أعوام 1960 و1992 و1996.

- ذهبية خامسة لريدغريف -

وفاز البريطاني ستيف ريدغريف (38 عامًا) بميداليته الذهبية الخامسة على التوالي في التجذيف، وحطم بالتالي الرقم القياسي في عدد الألقاب المتتالية الذي كان يحمله الأميركي آل أورتر بطل رمي القرص في أربع دورات (1956 إلى 1968).

ونقش الكوبي فيليكس سافون (33 عامًا) إسمه بأحرف برّاقة في السجلات الأولمبية، إذ بات ثالث ملاكم يحرز لقب الوزن الثقيل (فوق 91 كلغ) ثلاث مرات، وسبقه إلى هذا الإنجاز المجري لاسلو باب (1948 إلى 1956) والكوبي تيوفيلو ستيفنسون (1972 إلى 1980)، وكان بإمكان سافون أن ينفرد بالرقم القياسي لو لم تقاطع بلاده ألعاب سيول 1988.

وخرجت الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ 1948 خالية الوفاض من الذهب الأولمبي في رياضة "الفن النبيل".

ونجحت بطلة الدراجات الهولندية ليونتان زيلارد التي اشتهرت باسم عائلتها قبل الزواج، فان مورسل، في تحقيق ثلاث ذهبيات في سباقي الفردي وضد الساعة على الطريق، وسباق 3 كلم على المضمار مع رقم قياسي عالمي (3:03.360 د)، فضلا عن فضية سباق النقاط على المضمار.

والنجمة المتوجة هي عارضة أزياء، أنقذت نفسها من مرض الشراهة (البوليميا) بعد تحد استغرق ستة أعوام.

وكان اللافت أن الألماني يان أولريخ وفى بالوعد الذي قطعه على نفسه بنيله ذهبية سباق الطريق وفضية ضد الساعة، وثأر من الأميركي لانس أرمسترونغ الفائز عليه في دورة فرنسا الدولية، والذي حل في المركز الثالث عشر في سباق الطريق، واكتفى بالبرونزية في سباق الساعة، قبل أن يجرد منها في وقت طويل لاعترافه بتعاطي المنشطات.

وانتهت الألعاب بحفل ضخم راقص بدأ بموسيقى يونانية وكأنها تمهيد للألعاب الأولمبية المقبلة في أثينا، ثم عُزفت موسيقى الألفية الجديدة حول المنصة الرئيسة ووُزعت آخر الميداليات للماراثون لثلاثة أفارقة يتقدمهم الإثيوبي الفائز جيزاغني أبيرا.

ووجد كل متفرج على مقعده مغلفًا يحوي تذكارات عدة لتبرير ارتفاع ثمن البطاقات، وأغلاها بلغ نحو 800 دولار، في حين عرضت أربع شاشات عملاقة أفضل لحظات الاولمبياد.

ا ف ب/ر م/ا ح