مهرجان كان 2014

هيبة ثلوج الأناضول في فيلم التركي جيلان تجرف السينما الكندية

مهرجان كان

من بين الأفلام المشاركة في السباق نحو السعفة الذهبية "نعاس الشتاء" للمخرج التركي نوري بلجي جبلان و"سجينة" للكندي أتوم إيغويان. ولفتتنا براعة "سيد" السينما التركية في تصوير ما يختلج في الصدور وما يدور في الجبال، أمام رخاوة فيلم الإثارة الكندي "سجينة" لأتوم إيغويان.

إعلان

خرج معظم النقاد من عرض فيلم "سجينة" للكندي أتوم إيغويان ونفس السؤال يتردد على ألسنتهم "ماذا يفعل فيلم الإثارة المائع هذا في السباق الرسمي لمهرجان كان؟" وكانت الخيبة الكبيرة الثانية بعد تلك التي أثارها فيلم الافتتاح "غريس دي موناكو". وإن كان أتوم إيغويان قد حاز عام 1997 على الجائزة الكبرى في كان عن فيلم "غد أفضل"، فإنه لم يخلق منذ سنوات "المعجزة" التي فجرتها فينا أفلامه في بداية التسعينات على غرار "إكزوتيكا" و"الضابط".
وإن كانت الدقائق الأولى من الفيلم تشد المتفرج برهبتها بعد اختطاف بنت صغيرة من والدها، فسرعان ما يذوب ديكور الثلوج الكندية المهيبة. فلا سحر في الفيلم الذي لا يختلف كثيرا في النهاية عن المسلسلات البوليسية التلفزيونية، وما زاد الطين بلة هو تقاربه الكبير مع فيلم "سجناء" لمواطنه دوني فيلنوف الذي ظهر قبل أشهر. لكل هذه الأسباب يجد المتفرج نفسه أمام "وجبة سبق وأن هضمها". ولا تنجح كل التطورات، وسط عالم من شبكات الاستغلال الجنسي للأطفال عبر نشاطها الإلكتروني ولا محاولاتهم "الماكيفيلية" لتدمير معنويات الأم المنكوبة في تشويقنا.

ملحمة عائلية في أعالي الأناضول
أما ثلوج فيلم "نعاس الشتاء" للتركي نوري بلجي جيلان فكانت "ملكية" بأدق معنى الكلمة، ويعتبر جيلان اليوم من أكبر صناع الفن السابع. وصعد المخرج وفريقه البساط الأحمر لحضور عرض الفيلم حاملين على بدلاتهم شارة الحداد على عمال المناجم الذين قضوا في حادثة مأسوية هزت تركيا قبل أيام. ووقفت القاعة تكريما للمخرج قبل العرض. السياسة والفن عالمان كثيرا ما التقيا في مهرجان كان الذي غالبا ما أبقى عينه يقظة على ما يحدث في العالم رغم بذخ الاحتفالات ودلال النجوم...
ويعيش "أيدن" بطل الفيلم مع شقيقته وزوجته في نزل "أوتيلو" الصغير في جبال الأناضول، ويتحول النزل في الشتاء المثلج المهيب إلى سجن ومأوى، وتهب في داخله عواصف عائلية ملحمية وحميمية. فـ"أيدن" ممثل متقاعد يواجه عقدة المثقف بتعاليه وإيمانه المطلق بقيم وأفكار وأخلاق يصعب أن تتماشى مع الواقع، فتولد فيه كبتا وعزلة وكبرياء، تقسو عليه أولا قبل أن تنهك مقربيه. فعلى غرار "أوتيلو" يقف "أيدن" وسط حبكة شكسبيرية في برجه العاجي، محاولا في داخله تجديد الدهشة التي هي بداية الفلسفة والحب في مواقف تثير التعاطف وتبعث على التفكير، ينسجها سيناريو كثيف تتخلله حوارات طويلة مع أفراد العائلة والجيران.

فريق فيلم "نعاس الشتاء" حاملين شارات الحداد

وبقوة العنف الناعم الذي امتهنه جيلان في أفلامه السابقة "أوزاك" و"مناخات" يوسع المخرج حلقة الذاتي لتطال الجماعي. وإن كان فيلم الإثارة الكندي مملا فلم نسأم طيلة المدة ،3ساعات و20 دقيقة التي يستغرقها الفيلم التركي لإتقان جيلان العجيب تصوير المشاهد الثلجية بصمتها وصخبها ومجازيتها في ترجمة تقلبات الشخصيات، في تجاوز للأطر والرؤى السينمائية المعتادة. فمن دون حروب ولا صراعات عدا التوترات الصغيرة التي تواجهنا يوميا، يثير "المعلم" التركي مسائل حول الروحانيات في احتكاكها بالدين، والمال في اقتحامه طموحات البشر... وأمام كل الوحل الذي يغرق فيه عالمنا، جاءت شخصية طفل صغير يحمل كل الحقد الناشئ ضد الظلم ويحمل كرامة البسطاء فكانت صورة سالبة لضمير "إيدن" المعذب ولسهو الناس عن النداء الصاخب - الصامت للحق في الحياة والكرامة.
فكان جيلان سيدا في حياكته البيضاء لفيلم حر يطلق العنان كطفل لرسائل تضاهي بنبلها الخيول البرية التي عجز الرجال في روايته عن ترويضها.

 
مها عبد العظيم

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24