سوريا

بيان للظواهري وتعقيب لجبهة النصرة... والتقاتل مستمر في المنطقة الشرقية بسوريا

خرج بيان أيمن الظواهري على الملأ آمرا جبهة النصرة وأميرها أبو محمد الجولاني بوقف التقاتل مع الفصائل الجهادية الأخرى في سوريا، تلاه بيان للجبهة يؤكد امتثالها للأوامر الصادرة من رأس القاعدة. لكن العبرة بين سطور البيانين، فلا جديد في دعوة الظواهري لوقف التقاتل والاحتكام لمحكمة شرعية مستقلة ولا في بيان الجبهة التي تعتبر أنها "ترد عدوان الدولة". فـ"الأمور على حالها والتقاتل يشتد في المناطق الشرقية" بحسب شهادات من الفريقين.

صورة دبابة للدولة الإسلامية خلال القتال في منطقة "خط الخابور"
إعلان

تسرع الإعلام العربي والغربي في التعويل على بيان الظواهري واصفا إياه بالمفصلي وبالتطور الجذري في الصراع بين "جبهة النصرة – قاعدة الجهاد في بلاد الشام" و"الدولة الإسلامية في العراق والشام". لكن كل متابع لتطور هذا الصراع وتداعياته على الساحة في مناطق "الشرقية" السورية يعي أن هذا البيان ليس إلا لرفع العتب ولتأكيد مساعي الظواهري للم الشمل ووقف التقاتل. فبيان الظواهري الأخير لا يدعو إلى وقف القتال صراحة، بل هو ليؤكد أن "الدولة الإسلامية" تابعة لتنظيم القاعدة بعد أن كان أنكر ذلك مرارا وصولا للتبرؤ منها مؤخرا، ثم يكرر ما دعا إليه في مراحل سابقة من ضرورة "الاحتكام لمحكمة شرعية مستقلة". كما أن الطريقة التي صيغ بها البيان تترك مجالا واسعا للتأويل والتفسير، وهذا فعلا ما حصل فكل فسر البيان على ذوقه وفاضت شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الجهادية بالتفسيرات والتأويلات. وبينما صدرت تعقيبات رسمية عن جبهة النصرة، لم يصدر أي شيء رسمي عن "الدولة الإسلامية في العراق والشام" حتى تاريخ كتابة هذه السطور.

رأي من جبهة النصرة

تواصلنا مع أحد المقربين من جبهة النصرة في المناطق الشرقية وفي دير الزور تحديدا لتبيان ما يجري. قال لنا مصدرنا، إن "ما تغير منذ بيان الظواهري تجلى في توقف جبهة النصرة عن تنفيذ عدد من الخطوات الهجومية على مواقع مهمة للدولة، وكانت الخطط العسكرية موضوعة وجاهزة للتنفيذ من أجل تخفيف الضغط على دير الزور". ولدى سؤالنا عن سبب عدم توقف القتال بالرغم من أمر الظواهري بالكف عنه، يجيب مصدرنا "ما ورد في خطاب الشيخ الظواهري وبيان المنارة البيضاء - ذراع جبهة النصرة الإعلامي - ليس دعوة لوقف القتال بل دعوة لوقف العدوان ونحن لسنا بمعتدين وكل ما قمنا به هو رد لاعتداء جماعة الدولة – الإسلامية في العراق والشام – علينا، فهي التي شنت هجوما واسعا على مقراتنا ومناطقنا في ريف دير الزور وليس العكس".

أما بالنسبة للمعارك الأخيرة في المناطق الشرقية وهي الأكثر شدة ودموية فهي تتركز بحسب مصدرنا في "بعض مناطق ريف دير الزور الغربي وفي جديدة عكيدات وفي كباجب في الريف الشرقي بعد محاولات تقدم الدولة هناك". ثم يستطرد مصدرنا قائلا إن "الدولة تساهم في حصار دير الزور المدينة من خلال إقفالها لأهم المنافذ مع الريف، علما أن القتال مع قوات النظام داخل المدينة قائم على ثلاثة محاور أهمها ما يعرف بخط حي الحويقة".

وعند سؤالنا حول نظرة جبهة النصرة لتطور الأمور وما ستؤول إليه المعارك الطاحنة مع الدولة الإسلامية في العراق والشام، يقول لنا مصدرنا إن "الجبهة لا ترى إلا مخرجا وحيدا، وهو أن يخرج البغدادي – أمير الدولة الإسلامية في العراق والشام – وأن يأمر جنوده بالكف عن الاعتداء وأن يسلموا مقراتهم ويعيدوا أموال المجاهدين وأن يقبلوا بمحكمة شرعية مستقلة تكون مخرجا للجميع".

رأي من الدولة الإسلامية في العراق والشام

كما تواصلنا مع مصدر مقرب من جبهة النصرة، تواصلنا مع مصدر مقرب من "الدولة الإسلامية في العراق والشام". فقال لنا الأخير إن "لا شيء تغير منذ صدور بيان الظواهري الأخير، فالجبهة لم تتأخر في رفضه وتأويله دون أن تنتظر أن يصل رد من الدولة الإسلامية". ثم يستطرد ويقول إن "الجبهة لم تعد سيدة قرارها فالحرب تدار من الخارج ومن الداعمين – الذين عوضوا توقف الدعم المالي الذي كان يأتي من مالية الدولة قبل الانفصال – كحزب الأمة الكويتي الذي أصبح من المحركين الأساسيين للجبهة". ثم يؤكد لنا أنه "بعد بيان الظواهري أبلغنا أبو أسامة العراقي، المسؤول عن المناطق الشرقية، بوقف القتال. إلا أنه ما لبث وأن تعرض لكمين من قبل مقاتلين لجبهة النصرة. لذا، بعد نجاته من الكمين وبعد محاولتهم الالتفاف على جديدة عكيدات، وهي أحد أهم نقاط الدولة الإسلامية في المنطقة، دعا أبو أسامة إلى فتح كافة الجبهات". ولدى استفسارنا عن حقيقة حصار دير الزور المدينة، ما يضيق الخناق على من يواجه قوات النظام داخلها، يقول لنا مصدرنا أن في الأمر مبالغة "فدير الزور مفتوحة على الصحراء الشامية وجبهة النصرة تستعمل هذا الطريق".

أما في ما يخص المعارك الأخيرة في ريف دير الزور يقول لنا مصدرنا إن "الدولة الإسلامية تقدمت خلال الأيام الماضية في عدة نقاط أهمها: الجزرة، الهرموشية، الكبر، الصعوة، جديدة بقارة، الطابية والدحلة. في حين سيطرت الجبهة على البصيرة، بريهة والصبحة. وفي الساعات الأخيرة أحكمت الدولة السيطرة على بلدة الكسرة بعد قتال عنيف". علما أنه تم الإفادة عن تقدم في الريف الغربي لدير الزور وإلى قرية حمار العلي دون أن نتمكن من تأكيد ذلك، وتعتبر منطقة البصيرة وما يحيط بها من قرى أو ما يعر ف بـ"خط البصيرة" الجبهة الأكثر سخونة في المنطقة الشرقية الآن.

ويقول لنا مصدرنا إنه يرفض ما تتهم به الدولة من عدوان فهو شخصيا من منطقة دير الزور واضطر للرحيل عنها، فبالنسبة له "الدولة الإسلامية ليست من بدأ العدوان" لا بل يعود ويؤكد أن "الجبهة فقدت قرارها وأنها باتت جزءا من التسوية التي يخطط لها والتي بدأت تتأكد ملامحها في حمص كما في الساحل، وهذه التسوية لا يمكن أن تتم إلا بعد إرضاخ الدولة الإسلامية".

ثم سألنا مصدرنا عن حقيقة ما يشاع عن خروج عمر الشيشاني من الشرقية، وهو أحد أهم القادة الميدانيين للدولة الإسلامية، فيقول لنا بعد أخذ ورد أن "الشيخ عمر سيشرف على عملية واسعة وهو خرج للإعداد لها وتجهيز ما تحتاجه من عديد وعدة، بعد أن كلف القائد أبو جمان الموريتاني بإدارة العمليات العسكرية في الشرقية". وفي نفس السياق أكد لنا مصدرنا أن "أبو ماريا القحطاني - الشرعي العام لجبهة النصرة - كما أبو حسن الكويتي - وهو أحد أهم شرعيي الجبهة في المناطق الشرقية –غادرا المنطقة منذ ساعات قليلة". وهذا ما لم نتمكن من نفيه أو تأكيده من مصادرنا المقربة من جبهة النصرة.

نهاية يجدر التذكير بأن التقاتل القائم بين الفصلين لا يزال يتركز حصرا في المناطق الشرقية، ما يوحي أنه بات له بعد شخصي ومناطقي يجعل أي تراجع من قبل أي من الطرفين شبه مستحيل. ذلك بالرغم من أن العامل القبلي أو العشائري لم يدخل في المعادلة حتى الساعة إلا في حالات استثنائية ومعارك موضعية كمعركة البوكمال الأخيرة. فضلا عن أن كلا الفصيلين لم يضعا بعد ثقليهما الكامل في هذه المعركة فكل ما يشاع عن استقدام "الدولة الإسلامية" لمقاتلين من العراق عار عن الصحة، كما أن الدعم الذي استقدمته "جبهة النصرة" من حلب وإدلب لم يكن إلا رمزيا. وبالعودة إلى بيان الظواهري الأخير يتضح أن الرجل ومن خلال مدحه أمير "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، أبو بكر البغدادي، ربما يسعى لوأد صراع خرج عن سيطرته. وما يؤكد ذلك هو توالي الدعوات لأبو محمد الجولاني، أمير جبهة النصرة، والطلب الأساسي منها هو فك ارتباطه بتنظيم القاعدة...

وسيم نصر

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24