قصة أميرة موناكو وكان: انبثاق الحب ومقبرة السينما
يفتتح مهرجان كان مساء الأربعاء بفيلم "غريس دي موناكو" الذي تلعب فيه النجمة نيكول كيدمان دور الأميرة وأسطورة هوليوود غريس كيلي، ولكن الأجواء تعبق برائحة الفضيحة. فلم يخل الجدل الواسع التي سبق العرض بوعوده إذ أثار الفيلم استياء جمهور النقاد والصحافيين.
نشرت في: آخر تحديث:
ينطلق الأربعاء أكبر موعد سينمائي في العالم ويفتتح فيلم "غريس دي موناكو" المستوحى من سيرة الأميرة والممثلة المفضلة لألفريد هتشكوك أحد كبار المخرجين في تاريخ السينما. وكان الاستياء كبيرا في وسط الصحافيين والنقاد، بحجم الفضيحة التي استبقته. ولعب تيم روت دور الأمير رينيه زوج الأميرة الراحلة والذي توفي بدوره عام 2005.
وكان الجميع يتمنى بأن يرقى المخرج الفرنسي أوليفيه داهان بأسطورة غريس كيلي سينمائيا وأن يبقى الجدل في سجل الإشاعة، فهو الذي صنع شهرة الممثلة الفرنسية ماريون كوتيار الحائزة على أوسكار عن دورها في فيلمه "لاموم" الذي يتناول سيرة المغنية إديث بياف. لكن الفيلم لم يكن في مستوى التوقعات وربما حتى لا يستحق كل الإثارة التي حركها. لكن الفضيحة وعكسها هي أيضا من مكونات مهرجان كان الأساسية وكأنها لعبة في جعبة الألعاب السحرية للفن السابع.
ودافع النائب العام لمهرجان كان في نسخته 67 تيري فريمو بقوة عن فيلم الافتتاح مؤكدا لفرانس24 أن "غريس دي موناكو فيلم جذاب بفضل حضور نيكول كيدمان وتيم روث وكذلك بفضل موضوعه. إنه فيلم قريب من كان بما أن الأمر يتعلق بموناكو وبالكوت دازير فيحمل نكهة خاصة كفيلم افتتاحي". ويذكر أن غريس كيلي التقت زوجها الأمير رينيه في كان. وإن كانت كان شاهدا على بداية قصة حب تاريخية بينهما فإن المنطقة كانت كذلك قبر الأميرة التي فارقت الحياة وهي تقود سيارتها الروفر 350 أس على أحد طرقات الكوت دازير. وعلى غرار الأقدار الساخرة كان هيتشكوك قد صور في فيلم "يد على العنق" غريس وهي تقود بسرعة فائقة على نفس الطريق التي شهدت وفاتها بعد 28 سنة.
برود جنسي، لا ربيع لنيكول كيدمان
لكن محاولات فريمو لم تمنع القاعة من التصفير استياء بعد العرض الصحافي. وحتى أداء نيكول كيدمان لم ينقذ سحر الأسطورة، فكانت شديدة التصنع في تقمصها دور إحدى أكثر الممثلات إغراء. فكانت غريس كيلي تحمل ألف حيلة في تقمصها شخصيات مختلفة وتمتلك في الأداء دقة وتنوعا لا يضاهى. ولم يغتنم داهان حتى مأساة قدر غريس كيلي لخلق ديناميكية تتنافس فيها الحياة والسينما في سباق على الرواية. فظلت إيحاءاته إلى تراجيدية الحياة فاترة لا يدق لها قلب أما إحالاته إلى مرجعية أفلام هتشكوك فبقيت كذلك سطحية لا يراها سوى هواة السينما المتمرسين. ونذكر منها محاولات سخيفة للتذكير بسيناريو "لا ربيع لمارني" الذي كان سببا في تمزق غريس كيلي بين نداء التمثيل وعرش موناكو.
فنرى نيكول كيدمان تكاد تثير الشفقة وهي تعيد كلمات شخصية مارني في فيلم هتشكوك "إذا لمستني مرة أخرى لقتلت نفسي". هكذا بدت النجمة: منطفئة، منعدمة الشحنة الإباحية sex appeal . وبلغ البرود الجنسي لنيكول كيدمان درجة قتلت كل الفانتزما التي كانت تثيرها غريس. فالقبلة الوحيدة في الفيلم لن تبقى في ذاكرة السينما كأشهى قبلة. لكن نتخيل أن التحدي كان مضاعفا فأحبط مهمة كيدمان في تقمص دور ممثلة كبيرة خلال فترة لعبت فيها أكبر دور في حياتها وهو دور أميرة موناكو. وربما كان فشل كيدمان فشل مصغر عن فشل غريس كيلي لأن أميرة موناكو كان أهم دور في حياتها وأكبر خسارة في آن. الحياة أو الفن: هذا الاختيار الأصعب في حياة الفنانين مهما كان انتماؤهم الاجتماعي. وكان بوسع هذا التداخل أن يخلق نقطة إيجابية لصالح داهان لكنه لم يستوف كلمة السينما الأخيرة والتي كتبت موت غريس دي موناكو وكأنها تنتقم لاختيارها "صخرة" موناكو بدلا عنها.
ففي النهاية غلبت منظومة الأخلاق الأمريكية المحافظة سحر الفن فترفض غريس كيلي دور "مارني" الذي اقترحه عليها هتشكوك وتفضل التفرغ لزوجها وأبنائها. وانطلق فيلم "غريس دي موناكو" مع اعتراض أبناء الأميرة غريس ومطالبة الموزع الأمريكي بمونتاج مختلف للجمهور الأمريكي. فإذا كانت النسخة الفرنسية فاترة فماذا ستكون عليه النسخة الأمريكية؟
كذبة السينما وفضائحها الحقيقية
وقال الأمير ألبرت وشقيقتيه الأميرة كارولين والأميرة ستيفاني في بيان إن "الشريط الدعائي للفيلم مهزلة على ما يبدو ويؤكد الطبيعة الخيالية تماما لهذا الفيلم. وأضافوا أن "العائلة الأميرية لا تريد بأي حال الارتباط بهذا الفيلم الذي لا يعكس الواقع وتبدي أسفها لسرقة تاريخها لأغراض تجارية محضة". وتابعت عائلة موناكو الحاكمة في بيانها إن المخرج أوليفير داهان والمنتجون رفضوا أن يأخذوا في اعتبارهم الملاحظات التي أبداها القصر والتي "تشكك في النص كله وشخصيات الفيلم".
ودافع المخرج بشراسة عن الفيلم مؤكدا أنها "السينما" وأن الخيال في مفهومه الأولي يخالف الواقع. لكن الواقع في قصة غريس كان أكبر من الخيال، فحتى الأمير رينيه الذي عرف بضعف شخصيته أثار فينا التعاطف بفضل أداء مقبول لتيم روت.
ولم يخل الإطار الزمني من الأهمية حيث يحيلنا على فترة شهدت فيها موناكو تهديدا فرنسيا من محاولات لفرض ضرائب عليها وحتى محاصرتها عسكريا. لكن بعض المشاهد كانت كاريكاتورية فأثار ظهور الجنرال ديغول الابتسامة.
ويثير ظهور شخصية رجل الأعمال اليوناني آري أوناسيس إلى جانب زوجته مغنية الأوبرا الشهيرة ماريا كالاس -أداء الممثلة الإسبانية باز فيغا- مسألتين مهمتين. تتمثل الأولى في تساؤلات حول إخضاع الرجال للنساء وسحقهم لمواهبهن بالأموال والنفوذ لما عرف عن قصة أوناسيس وكالاس من عنف وسلطوية، وإذا أراد منها داهان تعميق إشكالية المساواة بين الجنسين فاختياره لأسطورة أخرى وهي كالاس في فيلم حول سيرة النجمة غريس كيلي خطأ كبير تفقد فيهما الحكايتان من قوتهما. والنقطة الثانية أهم فهي تبرز مدى احتكاك عالمي المال والسياسة على مر السنين. وفي هذا السياق كان من الأجدر على المنظمين أن يختاروا فيلم "مرحبا في نيويورك" لآبيل فيرارا الذي يمثل فضيحة حقيقية بتطرقه إلى قضايا جنسية تورط فيها السياسي اليساري الفرنسي والرئيس السابق لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس كان -يتقمص دوره الممثل الفرنسي الشهير جيرار دوبارديو-. وأمام تعتيم المنظمين حول افتراضية عرضه في كان، قرر المنتج فينسان مارافال إتاحة تحميل الفيلم على الإنترنت ابتداء من 17 مايو/أيار. وكان مارافال أمس يحتسي الخمر في إحدى مقاهي الكروازيت فكانت صورة حزينة لفضيحة السينما وحرية التعبير في فرنسا، فضيحة حقيقية افتتحت العرض قبل يوم من انطلاق فضيحة "غريس دي موناكو المزيفة"
وفي حين صدرت أنباء عن مقاطعة أفراد العائلة الحاكمة في موناكو لمهرجان كان هذا العام فإن نيكول كيدمان ستصعد مساء الدرج المكسو بالبساط الأحمر لتكون الأولى في كوكبة من النجوم الذين سيتوافدون على المهرجان وبينهم روبرت باتيسون وكيرستن ستيوارت وهيلاري سوانك وراين غوسلينغ وتومي لي جونز وكاترين دونوف وماريون كوتيار.
مها بن عبد العظيم
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك