محاولة العبور إلى السلطة على "حصان الإرهاب" في ليبيا
بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، والتي لقيت استهزاء كبيرا، في 14 فبراير/شباط الماضي، عاد اللواء المتقاعد خليفة حفتر إلى الواجهة مهاجما مدينة بنغازي، لتنظيفها على حد قوله من الإرهابيين. وهذه العودة بذريعة مكافحة الإرهاب لا يمكن إلا أن تذكر بما جرى ويجري في مصر المجاورة. فمن هو اللواء حفتر وما هي حظوظه وماذا ستكون تداعيات ما أقدم عليه؟
نشرت في:
من هو اللواء المتقاعد خليفة حفتر؟
اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي تجاوز السبعين من العمر ينتمي لقبيلة فرجان، التي كانت يوما ما محسوبة على القذافي، والتي لها وجود قوي في سرت وترهونة جنوب شرق العاصمة الليبية طرابلس. وحفتر كان من الضباط الذين ساهموا مساهمة فاعلة في الانقلاب العسكري عام 1969 الذي أوصل القذافي إلى الحكم في ليبيا مطيحا بالملكية. واستمر الضابط حفتر في المؤسسة العسكرية الليبية وشارك بالحرب العربية الإسرائيلية على الجبهة المصرية عام 1973، ثم قاد فرق الجيش الليبي التي شاركت في حرب تشاد عام 1986، وخلال هذه الحرب ألقي القبض عليه وسُفّر للولايات المتحدة الأمريكية حيث مكث في ولاية فيرجينيا على بعد أمتار من مكاتب وكالة الاستخبارات المركزية. ومكث هنالك حتى عام 2011 لحين عودته إلى ليبيا ليشارك هذه المرة في الإطاحة بحكم القذافي.
بعد ذلك احتل اللواء حفتر لفترة وجيزة منصب قائد أركان القوات البرية الليبية. وبقي بعيدا عن الأضواء لفترة، بالرغم مما قيل عن محاولاته الحثيثة لاستمالة عدد من فصائل الثوار في الشرق الليبي، بما فيها الإسلامية منها، بهدف الاستيلاء على السلطة الفتية التي كانت تتمثل بالمجلس الوطني الانتقالي. ثم ما لبث أن عاد بطريقة مفاجئة في 14 فبراير/شباط الفائت عبر موقع للتواصل الاجتماعي معلنا توليه السلطة، لكن أحدا لم يأخذ خطوته هذه على محمل الجد وما لبثت أن دخلت طي النسيان. ذلك إلى أن عاد منذ أيام، في 16 من الشهر الجاري، معلنا حربه على الإرهاب ومستهلا إياها بما سماها "معركة الكرامة" على مدينة بنغازي مهد الثورة الليبية ومركز ثقل الفصائل ذو التوجه الإسلامي والجهادي.
هل هنالك إمكانية لاستنساخ التجربة المصرية في ليبيا؟
لن نستفيض في شرح تفاصيل الهجوم على بنغازي، وهو ما تطرقنا إليه في مقال سابق منذ أيام، لكنه وجب التوقف عند أمر نراه مهما. فخيار محور الدخول إلى المدينة للسيطرة عليها بطريقة مفاجئة له دلالاته. فبعد قصف المدينة بالطيران الحربي والمروحيات، استهل اللواء حفتر هجومه من محور كان المدافعون عنه من عديد اللواء 319 في الجيش الليبي النظامي، وليس الكتائب الثورية المنضوية تحت لواء قيادة الأركان. وما قد يفسر هذا الخيار هو ربما الظن بإمكانية تحييد الجيش دون قتاله ومباغتة الفصائل الثورية والإسلامية المتواجدة داخل أحياء المدينة. لكن ذلك لم يحصل وتصدت قوة الجيش للمهاجمين، ما ساهم بشكل كبير في وقف تقدم قوات حفتر مُعطيا الوقت الكافي للمدافعين كي يرصوا صفوفهم.
ومن هنا نلحظ أنه على خلاف مصر فالجيش الليبي ليس فعليا جيشا متماسكا منضويا تحت قيادة موحدة، علما أنه حتى الفصائل مثل "كتيبة شهداء 17 فبراير" منضوية تحت لواء قيادة الأركان في طرابلس، كما أن "كتيبة راف الله شحاتي" وهي عماد قوات "درع ليبيا 3" تتبع مباشرة لوزارة الدفاع. وهي نفس القيادة التي طلبت من اللواء حفتر تسليم ثكنة الدفاع الجوي في الرجمة والتي أعلنت حظر الإقلاع من مطار بنينة كي تكف طلعات الطيران الحربي عن سماء بنغازي.
في المقلب الآخر، انضم لقوات اللواء حفتر عدة قطع في الجيش الليبي. وما لبث القتال أن توسع ليصل إلى طرابلس حيث هاجمت قوات القعقاع والصواعق كما عدد من الكتائب الأخرى مقر المجلس الوطني. وأغلب المهاجمين هم من قبيلة الزنتان المقربة من محمود جبريل وتحالف القوى الوطنية الليبرالي وهو يعتبر من مؤيدي وداعمي اللواء حفتر. ما أدى أيضا إلى إشكالات ومواجهات أهلية بالأسلحة الرشاشة والصاروخية في عدد من أحياء العاصمة الليبية. وبينما كان قائد الشرطة العسكرية يعلن تعليق عمل البرلمان، كانت المجالس العسكرية والثورية في عدة بلدات ومدن على امتداد ليبيا تعلن دعمها للشرعية المتمثلة بالبرلمان ومعارضتها لحركة اللواء حفتر.
اليوم حالة الترقب تعم البلاد ولا غالب ولا مغلوب، ويبدو من الصعب جدا تصور اللواء حفتر حاكما بأمره في القريب العاجل، مثل عبد الفتاح السيسي في مصر. فحملته العسكرية توقفت والدعم الدولي يتأخر. ذلك بالرغم من رفض واشنطن وصف ما يجري بالانقلاب العسكري وبالرغم من اللقاء الذي جمع ما بين وزير الخارجية الفرنسي ومحمود جبريل مؤخرا. وحال الترقب الدولية توازيها حال ترقب محلية، بالرغم من تحول الكثيرين من الذين كانوا يتوددون للإسلاميين، منذ أيام خلت، لدعاة لمكافحة الإرهاب وللعلمانية. فضلا عن أنه في مصر كان من السهل فض الاعتصامات السلمية، بينما في ليبيا لا مكان للسلمية، فالفصائل جاهزة للمواجهة عدة وعديدا واللواء حفتر فقد عامل المفاجأة الذي كان يمكن أن يكون عاملا مهما في وصوله إلى الحكم.
يبدو أن ليبيا على أبواب حرب أهلية قد تحولها ساحة مستباحة أرضا وشعبا. ذلك بينما تتهاوى الثورات على حدودها والشرعيات التي انبثقت منها، ما يوحي أن العالم العربي على أبواب حقبة من حكم العسكر كالتي استهلها جمال عبد الناصر و"الضباط الأحرار" في مصر أواسط القرن الماضي. بيد أن هذه الحقبة التي نحن اليوم على أبوابها تخلو من أي إيدولوجيا وفكر ولا يتسم ويتغنى أبطالها إلا بالحرب على الإرهاب واضعين الإسلاميين على مختلف مشاربهم وتوجهاتهم، في هذه الخانة الفضفاضة والتي أصبحت مطيّة نحو السلطة يُسمع صهيلها في عواصم القرار شرقا وغربا. لكن ما يغيب عن هؤلاء هو أنه في غياب صندوق الاقتراع قد يعود الناس... إلى صندوق الذخيرة.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك