توتر في تركيا بعد مرور عام على أحداث ساحة تقسيم
نشرت في:
بعد مرور عام على الاحتجاجات الحاشدة المناهضة للحكومة التي هزت تركيا، لا تزال التوترات تتخلل البلاد بانتظام بسبب فضائح فساد، وكارثة المنجم، ووفاة ناشطين خلال مظاهرات عنيفة.
لم تخف في تركيا وتيرة التوترات بعد سلسلة من الاضطرابات انطلقت العام الماضي بما سمي "أحداث ساحة تقسيم". وشهدت ساحة تقسيم في اسطنبول بداية الاحتجاجات العنيفة ضد حكومة رجب طيب أردوغان.
وشهدت تركيا على إثرها عاما من التوترات تخللتها فضيحة فساد وكارثة في منجم. ولا تزال أحداث ساحة تقسيم راسخة في الأذهان، مع توقع تنظيم مظاهرات جديدة.
واستقطبت احتجاجات العام الماضي التي بدأت بحملة صغيرة لانقاذ حديقة غازي من تحويلها إلى مركز تجاري، ما يقدر بنحو ثلاثة ملايين محتج. وقتل ثمانية أشخاص وأصيب الآلاف بعد أن أطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع بكثافة على المتظاهرين الذين خرجوا إلى ساحة تقسيم للإعراب عن مناهضتهم لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وحملة القمع العنيفة التي شنتها الشرطة ضد المتظاهرين.
وشكلت تلك التظاهرات أخطر تحد لأردوغان خلال فترة حكمه المستمرة منذ 11 عاما. وأدت سلسلة الأزمات خلال الأشهر الماضية ومن بينها فضيحة الفساد التي طالت عددا من أبرز حلفاء أردوغان، إضافة إلى حادث المنجم الذي أودى بحياة المئات، إلى تجدد موجة الغضب ضده.
ورغم حظر الحكومة للتجمعات في ساحة تقسيم، دعا نشطاء إلى تظاهرة السبت. وجاء في بيان لمجموعة "تضامن تقسيم" التي تضم عددا من نقابات العمال ومجموعات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة "سنخرج إلى الساحات بالملايين".
وأثارت تلك الدعوة احتمال اندلاع اشتباكات جديدة بعد أن كانت الشرطة قد واجهت في وقت سابق من هذا الشهر محتجين تحدوا حظر التظاهر في عيد العمال في الساحة في الأول من مايو/أيار.
وتوفي الأسبوع الماضي شخصان في منطقة شعبية في إسطنبول بعد اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين أثناء إحياء ذكرى فتى توفي متأثرا بجروح أصيب بها في الاضطرابات العام الماضي.
يقول سولي أوزيل الخبير السياسي في جامعة قدير حاس في إسطنبول "إن شبح غازي لا يزال يحوم فوق رأس أردوغان .. ورغم قمع الاحتجاجات فإن الاستياء لا يزال محسوسا وسينتشر".
ويتابع "منذ أحداث غازي، واصل أردوغان خلق الأعداء والضحايا الجدد لتعزيز سلطاته. وقد أكسبه ذلك أصواتا في صناديق الاقتراع، ولكن هذه الاستراتيجية لن تدوم".
وأصبحت الطبقة المتوسطة العلمانية في تركيا تشعر بالاستبعاد بسبب حدة خطاب أردوغان، وقوانينه المثيرة للجدل بما فيها حظر الإنترنت وقمع القضاء وفرض قيود على مبيعات الكحول وازدياد عنف الشرطة منذ العام الماضي، بحسب الخبراء.
إلا أن أردوغان لا يزال يحظى بدعم قوي خاصة بين الناخبين الأكثر فقرا والأكثر تدينا الذين يشيدون بتحقيقه نموا اقتصاديا كبيرا وجعله الإسلام من اهتمامات الحكومة.
وحقق حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان والمنبثق من التيار الإسلامي فوزا كاسحا في الانتخابات المحلية التي جرت في مارس/آذار الماضي ما عزز تطلعات أردوغان للترشح لانتخابات الرئاسة.
ورغم هذه النجاحات يرى خليل إبراهيم باهار أستاذ علوم الاجتماع في معهد أنقرة للاستراتيجية أن الاحتجاجات لا تزال تؤثر على الخطاب السياسي.
وأكد أن الاحتجاجات "شكلت عتبة جديدة للديمقراطية التركية وقدمت منبرا لأصوات لم تسمع من قبل. وأصبح كل شيء في تركيا يحدد ب +قبل+ غازي و+بعد+ غازي".
وأضاف "سواء سميتها ثورة أم لا، فإن هذه العملية لا تزال مستمرة. ولا يمكن تحقيقها في أشهر أو حتى سنوات خاصة وأن المتظاهرين يواجهون خصما قويا يمسك بكل الأوراق".
وأثارت كارثة المنجم مطلع هذا الشهر، والتي تعتبر الأسوأ في تاريخ البلاد، موجة من الغضب ضد أردوغان الذين يتهم بعدم الاهتمام بمحنة الضحايا.
واشتبك المتظاهرون مع الشرطة في العديد من المدن بعد أن قلل أردوغان من أهمية الحادث وقارنه بكوارث المناجم في بريطانيا في القرن التاسع عشر.
ويقول بعض المحللين إن الكارثة ستفتح الباب أمام زيادة قاعدة غازي الاجتماعية المؤلفة معظمها من شباب المدن المتعلمين والمثقفين.
وقال مايكل هاردت الفيلسوف في علوم السياسة في جامعة ديوك "أعتقد أن كارثة المنجم المأساوية توفر فرصة لزيادة العوامل التقليدية بين الطبقة العاملة والطبقة المدنية الجديدة الناشطة في احتجاجات غازي".
وقال هاردت الذي زار اسطنبول الأسبوع الماضي لإلقاء سلسلة من المحاضرات حول الذكرى الأولى للاحتجاجات "هذه نقطة تحول في الإدراك الشعبي للدمار الذي ألحقته سياسات أردوغان الليبرالية الجديدة التي تخلق الثروة للقلة القليلة، وتخرب معيشة الكثيرين بمن فيهم أبناء الطبقة العاملة".
ورغم ذلك يشكك العديد ممن شاركوا في احتجاجات العام الماضي فيما تم تحقيقه. وتقول ميليسا كورتسكان طالبة الفلسفة والتي كانت من بين من نصبوا خيمة في حديقة غازي لوقف تحويل الواحة الخضراء إلى مركز تجاري "في البداية كان الاحتجاج يتعلق بالبيئة. ولكن بعد ذلك انضم الينا جميع من يعارضون الحكومة. وكان الأمر عفويا وغير متوقع".
وبعد عام تقول إنها لم تفقد الأمل في تغيير الوضع. وتضيف "بالنظر إلى الماضي، يعتقد الكثير إننا لم نكسب الكثير .. ولكن على العكس فأنا اعتقد أننا أثبتنا أن من الممكن فعل شيء".
وتقول "ربما لا تكون تلك أكثر من ثورة فكرية، ولكن هذا بحد ذاته انتصار".
فرانس 24 / أ ف ب
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك