فيلم "الوهراني": مجاهدون، خمر وملاهي و... ضجة فارغة
يظهر المخرج الجزائري-الفرنسي إلياس سالم في فيلم "الوهراني" أبطال حرب الاستقلال وهم يحتسون الخمر ويدخنون، ما أثار غضب القوميين والقياديين الإسلاميين في الجزائر. لكن السلطات لم يزعجها الأمر.
نشرت في:
كلما التقت حرب الجزائر بالسينما قام الجدل. فكم فيلم في فرنسا أحدث صراعا ضاريا بين معسكر المنددين بالعنف الاستعماري من جهة ومناهضي "التوبة" الفرنسية من جهة أخرى. لكن إذا كان عهد الرقابة قد ولى في فرنسا، ففي الجزائر ضغوط الضامنين "للرواية" الوطنية مستمرة.
وأحدث مثال على هذه المواقف هو "خارج عن القانون" للمخرج رشيد بوشارب الذي أثار عند عرضه في مهرجان كان 2010 حملة انتقاد واسعة في صفوف نواب وقدامى المحاربين الذين اتهموا الفيلم، دون أن يشاهدونه في الأغلب، بتبرير المقاومة المسلحة لجبهة التحرير الوطني الجزائرية.
الشريط الإعلاني لفيلم "الوهراني"
"فيلم شيطاني"
وبعد أربع سنوات على فيلم بوشارب، انتقل فتيل الخلاف إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط. وكان هذه المرة فيلم "الوهراني" سببا في الجدال، واتهم الفيلم التاريخي من إخراج الفرنسي الجزائري إلياس سالم بالمساس بالإسلام وبشرف أبطال الاستقلال. وذكرت صحيفة "الوطن" الجزائرية الأربعاء، قبل أسبوع من عرض الفيلم في الجزائر وفرنسا، أن مسؤولين سابقين في جبهة التحرير الوطني الجزائرية وأعضاء في منظمة أبناء المجاهدين حاولوا منع الدخول إلى قاعة السينما في وهران حيث قدم المخرج والممثلين العرض الأول للفيلم.
وجاءت هذه المحاولة الاحتجاجية استجابة لدعوة أطلقها قبل أيام "الشيخ شمس الدين" وهو داعية اعتاد الفتاوى التلفزيونية. وقال "الشيخ شمس الدين" على قناة التلفزيون الخاصة "النهار تي.في" أن على "أهالي وهران أن يستشيروا محاميا وأن يرفعوا شكوى ضد هذا الفيلم". وأضاف "فيلم شيطاني نرى فيه المجاهدين يقاتلون في النهار ثم يقضون الليل في الكباريهات في الحرام. أين منظمة المجاهدين؟ أين وزير المجاهدين؟ أين العائلة الثورية؟ أين الوهرانيين؟ أين الشعب الجزائري؟ هذا الفيلم يهدف لهدم صورة المجاهدين في ذهن الجزائري".
"تفاصيل حمقاء شيئا ما"
وفي حين عاب البعض في فرنسا على رشيد بوشارب "تزييف الحقيقة التاريخية"، فإن الدقة الواقعية التي يعتمدها إلياس سالم هي التي أحدثت الغضب في الجزائر. ويطغى الحس الأكاديمي على "اللوحة" التي يصورها إلياس سالم فيبدو هدفها –الذي يثير الاحترام– هو مخاطبة أكبر عدد من الجماهير، فيظهر "الوهراني" أبطال تحرير الجزائر في حياتهم اليومية في زمن ما بعد الحرب. ونرى شبابا تحملهم ريح الحرية يفتحون نقاشات طويلة مساء في الحانات التي صاروا أصحابها الجدد وفيها يحلمون بجزائر تلتحق بركب الأمم وتصبح قوة صناعية وحتى.. تصنع خمرها.
وقال المخرج والممثل إلياس سالم لموقع "TSA" الجزائري "أسرد قصة مجموعة من الأشخاص، وهم بشر تملأهم التناقضات. وإذا صدم ذلك البعض من الذين يفضلون الحفاظ على صورة تطمئنهم، فأنا آسف لأجلهم". ثم تابع أن البعض "يعارض الفيلم بسبب تفاصيل حمقاء شيئا ما على غرار شرب الخمر. وبشأن هذه المسألة ذكرهم العديد من الصحافيين أن بعد الاستقلال كان المجاهدون هم من حصلوا على تراخيص بيع الخمر".
"فلنترك الكلمة الأخيرة للجمهور"
يدفع "الوهراني" ثمن رفضه الرؤية "العذرية". الصبغة الحنونة التي يضفيها إلياس سالم على السنوات الأولى من نشوة الحرية سرعان ما تترك مكانها للنظرة الصارمة التي يلقيها على زمن تعزيز السيادة. وهو زمن مشبع بالتنازلات والخيانات والأوهام الضائعة. وتشهد على ذلك شخصية حميد (خالد بن عيسى) الذي يتحول إلى سياسي ولا يتردد في التخلص من صديق سابق صار عنصرا مشوشا رغم أنه حمل معه السلاح في شبابه زمن المقاومة.
وصورة جزائر الحرية هذه التي يصورها إلياس سالم لا تكتفي بالابتعاد عن الأيقونة المثالية بل وتحمل في طياتها بعدا ساخرا. فساخر هو استعمال جعفر (إلياس سالم)، وكان قائد حرب قبل أن يصبح رجل أعمال، للهواتف الحديثة. وساخر ذلك المشهد الذي يفضل فيه عمال تكلم العربية الفصحى ولو بصفة تقريبية على تكلم العامية إذ يرون أنها قريبة للغة المستعمر. ولعل هذه الأمثلة وحدها كفيلة بتفسير احتجاج القوميين على الفيلم. فقال على سبيل المثال المؤرخ والأستاذ الجامعي لحسن زغيدي لـ"نهار تي في" أن الفيلم يدافع عن الاستعمار...
أما السلطات الجزائرية فلا تبدي استعدادا حتى الآن بالتدخل في هذا الجدال. فتقول وزيرة الثقافة نادية العبيدي "لنترك الكلمة الأخيرة للجمهور. فالجمهور ناضج بالكفاية ليحكم على فيلم. وكل فيلم في نهاية الأمر يعبر عن وجهة نظر، فمن الطبيعي أن يثير ردود فعل".
فرانس24
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك