سينما

أفلام بوقع "صفعة" ذهبية في نهاية مهرجان كان

موفدة فرانس24 إلى كان – دخل عشية اختتام مهرجان كان فيلمين من العيار الثقيل المسابقة، وهما "البائع" للمخرج الإيراني أصغر فرهادي، و"هي" للمخرج الهولندي بول فيرهوفن، وكان لهما وقع "صفعة" سينمائية. فهل يحرز إحداهما مساء اليوم السعفة الذهبية في اختتام الفعاليات الرسمية؟

بول فيرهوفن إلى جانب إيزابيل هوبار في مشهد من فيلم "هي"
بول فيرهوفن إلى جانب إيزابيل هوبار في مشهد من فيلم "هي" SBS distribution
إعلان

 

 

يسدل الستار مساء اليوم الأحد على الدورة 69 من مهرجان كان التي يتنافس فيها 21 فيلما على السعفة الذهبية، وهز الفيلمين الأخيرين الذين عرضا في هذا الإطار "الكروازيت" لتناولهما مواضيع شائكة. فهل تكون السعفة الذهبية من نصيب الهولندي بول فيرهوفن عن فيلمه "هي" أم يحرزها الإيراني أصغر فرهادي عن "البائع".

يعتبر فرهادي فرهادي صاحب الأوسكار والسيزار والدب الذهبي من أبرع السينمائيين الإيرانيين. وها هو اليوم عاد يصور فيلمه الأخير "البائع" في بلاده، بعد أن دارت أحداث فيلمه السابق "الماضي" في فرنسا مع الممثلة برينيس بيجو والممثل الفرنسي من أصل جزائر طاهر رحيمي. وكان فيلم "الماضي" قد شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان 2013، ونالت بيجو في تلك النسخة جائزة أفضل ممثلة.

يستمر فرهادي في تشريح العلاقات الزوجية التي صار معلما في سبر طياتها. البطلان عماد ورنا هما ممثلان في مسرح بطهران، يجبران على مغادرة مسكنهما لأن العمارة تتداعى للسقوط. يساعدهما صديقهما في الفرقة المسرحية باباك على إيجاد شقة جديدة دون أن يعلمهما بأن المرأة التي كانت تستأجرها هي بائعة هوى. يدخل في أحد الأيام زبون سابق بيت الزوجين دون أن يطرق، وكانت رنا في الحمام.

 

 

ينجح فرهادي في خلق جو من الإثارة والضغط المتصاعد، فحياة الزوجان تتحول تدريجيا إلى جحيم. ماذا جرى بالضبط لرنا؟ ما هي طبيعة الاعتداء الذي تعرضت له؟ لن يجيب فرهادي عن ذلك بصفة واضحة، فيظل التشويق إلى الآخر على أشده ويكون فرصة لبحث مخلفات الحادثة على علاقة رنا وعماد. تسعى هي إلى نسيان مأساتها، وربما حتى إلى الغفران. في حين يدفع هو إلى البحث عن المعتدي لينتقم ويطفئ غليله.

رغم أن الزوجان مثقفان ويتوقان إلى الحرية، فلن ينجوا من ضغط المجتمع الإيراني المحافظ. لن تعلم الشرطة بما حصل، يتكلف عماد وحده بالتحقيق، حتى لا يتكلم الجيران ولا يمس الشرف. أصغر فرهادي يقود الثنائي ذي الأداء الصاعق عبر أدق المواجهات بأسلوب يتفادى التفسير والشجار، فيؤجج الأحاسيس الدفينة. يرسم فرهادي هذا العالم الداخلي مستندا إلى حبكة موازية يحملها نص مسرحية "يوميات بائع متجول"، حيث تتحول الحبكة ساحة لتصفية الحسابات. والمسرحية هي للأمريكي الشهير آرثر ميلر الذي عرف بمزجه للرمزية والواقعية مع منطلق اجتماعي أهمه هو العائلة، وما ينتج عنه من تفكك وتناقضات في وجهات النظر. ونشير إلى أن فرهادي درس المسرح.

ولا شك أن الفيلم المنسوج بالصمت والنظرات سيكون من بين الفائزين هذا المساء بجوائز مهرجان كان. فهو يطرح برقة صادمة مسائل شائكة على غرار الذنب والندم والشرف. فالزوايا تتحرك وحتى المغتصب نفسه يبدو ضحية ذليلة حينا، ويخلط فرهادي بسلاسة بين البائع والزبون في مسألة الحميمية التي لا تباع ولا تشترى.

 

أصغر فرهادي محاطا ببطلي فيلمه شهاب حسيني وترانيه عليدوستيه. عدسة : مهدي شبيل
أصغر فرهادي محاطا ببطلي فيلمه شهاب حسيني وترانيه عليدوستيه. عدسة : مهدي شبيل

 

وإن كان فرهادي قد حافظ على نموذج أخلاقي كلاسيكي، فجر الهولندي بفيلمه "هي" كل المعايير. وكان فيرهوفن قد سبق وأن خلق "الفضيحة" بالفيلم الإباحي "الغريزة الأساسية" من بطولة شارون ستون. افتتح "الغريزة الأساسية" مهرجان كان 1992 ويذكره الجميع كمرجع هام طبع ثقافة البوب في القرن العشرين.

"69 سنة إباحية"

واختار فيرهوفن هذه المرة الممثلة الفرنسية إيزابيل هوبار، التي أحرزت مرتين جائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان وترأست لجنة تحكيمه عام 2009. وفي حين استلهم فرهادي فيلمه من مسرحية كلاسيكية، اقتبس فيرهوفن قصته، وهي أيضا قصة اغتصاب، من رواية "أوه..." للكاتب الفرنسي المثير للجدل فيليب دجيان. وسبق أن اقتبس المخرج جان جاك بينيكس عام 1986 رواية "37.2 درجة صباحا" من تمثيل بياتريس دال، وهي من الأفلام المصنفة ضمن تلك التي ألهبت الجدل بمغامرتها على أرض الغريزة (حب، قتل...) الخطيرة.

عرف المغني الفرنسي سيرج غينزبور بأغنيته "69 سنة إباحية"، لكن كتب لهذه الدورة الـ69 من مهرجان كان أن تكون نسخة سادية مازوية (انحراف جنسي). فـ"هي" ميشال، مديرة شركة تصميم ألعاب الفيديو، تمارس الجنس مع زوج شريكتها في العمل، وتربطها بزوجها السابق علاقة أقرب إلى الصداقة من الحنين، وفي تعاملها مع أمها كما مع ابنها تداول بين النفور والتعلق.

 

 

تتعرض ميشال لعملية اغتصاب في بيتها البورجوازي الفخم بالضاحية الباريسية، على غرار فيلم فرهادي لا تتصل بالشرطة... بل تطلب "سوشي" ياباني. وإن كانت حادثة الانطلاق نفسها في الفيلمين، فبدى "هي" بمثابة صورة سلبية للـ"بائع"، فلا سرد فيها ولا محاولات فهم ولا مجال للفلسفة. يتبع المخرج بطلته دون سيناريوهات فضفاضة وبكاميرا فجة، منذ حكاية والدها الذي ارتكب جرائم دامية وهي في العاشرة من العمر وحتى ربطها علاقة جنسية بمغتصبها! فبعد هوسها بمشهد الاعتداء الذي يصوره فيرهوفن من زوايا مختلفة ويتكرر في الفيلم تاركا المشاهد وميشال على شفير الغثيان، لا يفضي تحقيقها الشخصي البارد حين تكتشف أن المسؤول هو جارها إلى رغبة في الانتقام بل إلى الرغبة الصرف.

هكذا زعزع فيرهوفن كان بوقوفه على خط الهشاشة الفاصلة بين الذنب والبراءة وبين الحكمة والجنون. وكانت هوبر في أعلى مستويات الأداء، "هي" التي تقمصت فيدرا وميديا في أكبر التراجيديات إلى حد أن صارت قادرة على انتزاع البسمة من المشاهد حتى في أبشع المواقف. وأشادت إيزابيل هوبر في تصريحات لفرانس24 بـ"رقة وموهبة" فيرهوفن في إدارة الممثلين، وتابعت "لو كان مخرج آخر لخفت" من هذا الدور الذي اعتبرته رغم ذلك "نسويا وإيجابيا أكثر من أنه صادم". فبالنسبة لهوبار "تتكبد البطلة المصائب بنوع من الشجاعة والقوة، وبإرادة أن لا تتحول لضحية"، وأكدت أن ما أعجبها في الفيلم هو إمكانية "تقمص أحاسيس متناقضة ومعقدة" في دور "بارد كالجليد وفي نفس الوقت يبهر ويشد". ووصفت هوبار سينما فيرهوفن بالـ"الطموحة" والمصنوعة لتمشي على "حافة شائكة".

فهل تثأر لجنة التحكيم لضحية الاغتصاب "الكلاسيكية" في فيلم فرهادي أم تجازف بتكريم فيلم فيرهوفن الذي يخلق أزمة بصرية جديدة و يحطم المنظومة الأخلاقية المتداولة ؟

للمزيد- هل تفوز امرأة بالسعفة الذهبية في مهرجان كان 2016؟

 

تغريدات من مهرجان كان

 

أما في حال اختارت لجنة التحكيم تسليط الضوء على قضايا سياسية راهنة على غرار عملية إقالة الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف، فالفيلم البرازيلي "أكواريوس" من الأوفر حظا بالفوز بالسعفة الذهبية (وإن كان "أنا دانيال بلايك" للبريطاني كان لوتش منافسا جديا له في هذا المجال). ووراء "هي" للهولندي فيرهوفن و"أكواريوس" للبرازيلي كليبير ميندونسا فيليو، تقف شركة "س.ب.س" للمنتج التونسي سعيد بن سعيد (وهو يعيش بين فرنسا والولايات المتحدة)، وسبق له أن أنتج فيلم "خريطة النجوم" للكندي ديفيد كروننبرغ الذي شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان 2014.

من جهتهم، لا يستبعد بعض النقاد أن تسند السعفة الذهبية هذا العام للمخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار، فرغم أن فيلمه "خولييتا" خيب الظن، يعتبر العديد أنه يستحق السعفة تكريما لمسيرة حصد فيها جوائز أكبر المهرجانات العالمية عدى كان. فلأي منطق تنتصر هذه الجائزة الشهيرة هذا العام: لمنطق السياسية أو المحاباة أو... السينما؟ هذا ما ستكشفه الساعات المقبلة، فتابعوا مباشرة على تويتر الإعلان عن جوائز مهرجان كان 2016.

 

مها بن عبد العظيم

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24