المغرب

هل اعتنق السلفيون الديمقراطية بمشاركتهم في الانتخابات التشريعية بالمغرب؟

يشارك لأول مرة قسم من السلفيين المغاربة في الانتخابات التشريعية، التي ستجرى الجمعة، كمرشحين باسم أحزاب مختلفة. فهل الأمر يتعلق بتحول فكري طرأ لدى هذا التيار في علاقته باللعبة السياسية في المغرب؟ أم أن الأمر مجرد استراتيجية للوصول لأهدافه المسطرة؟

ستيفاني ترويار/ فرانس24
إعلان

للمزيد: هل سيصوت المغاربة بكثافة في الانتخابات التشريعية؟

دخول السلفيين لمعترك الساحة السياسية في المغرب من خلال مشاركتهم في الانتخابات التشريعية التي ستجرى الجمعة، أفرز الكثير من الأسئلة حول التحول الطارئ في موقف تيار ديني متشدد إزاء اللعبة السياسية في المغرب.

محمد عبد الوهاب رفيقي المتقدم في فاس للانتخابات باسم حزب الاستقلال، وهو أحد رموز السلفية الجهادية في المغرب، يقول إن "السنوات التي قضيتها في السجن كانت فرصة بالنسبة لي للقيام بقراءة عميقة مبنية على الواقع والنضج الفكري، تغيرت على خلفيتها نظرتي للمجتمع المدني والعمل السياسي، وتطورت على إثرها نظرتي للديمقراطية كعملية سلمية للتداول على السلطة".

وقسم مهم من السلفيين خاضوا الانتخابات التشريعية في 2011 التي نظمت إثر حراك شعبي عاشته البلاد في خضم ما عرف بـ"الربيع العربي"، كناخبين صوتوا لفائدة حزب العدالة والتنمية، لكن الكثير منهم غضبوا على هذا الحزب الإسلامي بعد تحمله مسؤولية الحكومة، متهمين إياه بإدارة الظهر لملف المعتقلين السلفيين الذين طالتهم اعتقالات واسعة إثر اعتداءات الدار البيضاء في 2003.

ويتهم عبد الكريم الشاذلي، وهو من الأسماء البارزة في صفوف السلفيين الداعمة لحزب الحركة الاجتماعية الديمقراطية اليميني الليبيرالي، "العدالة والتنمية" بأنه "شرعن القمع" تجاه السلفيين، ويشير في الوقت نفسه لمعطى فكري يفرق بين هذا الحزب والسلفيين باعتبار أنهم "يعارضون الفكر الإخواني"، الذي يتبناه "العدالة والتنمية" فيما يشدد مسؤولوه في مناسبات متعددة على أنه لا علاقة لهم بهذا الفكر.

للمزيد: المغرب: مهرجانات خطابية في شوارع فاس لجذب الناخبين قبيل انطلاق الانتخابات

ويبرر الشاذلي، وهو من السفليين الذين استفادوا من عفو ملكي في 2011، دعمه لحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية بكونه "قدم لنا اليد ورحب بنا ولم نواجه معه أي مشكل".

السلفي المغربي محمد عبد الوهاب رفيقي الشهير بـ"أبو حفص"
بوعلام غبشي/ فرانس24

هل طرأ تحول في فكر السلفيين الداعمين للعملية الانتخابية؟

يعتمد هؤلاء السلفيون الذين اختاروا دخول معترك الحياة السياسية ما تسمى بـ"السلفية الوطنية" لتبرير اختيارهم، وفق تفسير السلفيين محمد عبد الوهاب رفيقي وعبد الكريم الشاذلي، وهو تيار عانق اليوم الحياة السياسية، لكن تقدير الأهداف من المشاركة في العمل السياسي يختلف بين الإثنين، فيما يؤكد الباحث في الجماعات الإسلامية إدريس الكنبوري لفرانس24 أن "السلفي يبقى سلفيا".

ويشدد السلفي أبو حفص، وهو لقب محمد عبد الوهاب رفيقي، على ما يسميه المطالب "الفئوية" للسلفيين كأهداف من هذه المشاركة السياسية، ويحصر المطالب السياسية أساسا في تسوية في ملف المعتقلين الإسلاميين .

ويقول أبو حفص "نحن لا نطالب بتغيير النظام القائم، إننا متمسكون بالثوابت المغربية، وندعو الحكومة إلى تفعيل صلاحياتها الدستورية، أتبنى نفس الطرح الذي يدافع عنه حزب الاستقلال الذي أنتمي إليه".

ويضيف في السياق ذاته "نحن لا نطرح مطلب الملكية البرلمانية، أنا مع الوضع القائم، مع ملكية تنفيذية وإعطاء الحكومة في الوقت نفسه صلاحيات أوسع والاستفادة من الصلاحيات الحالية".

ويبدو أن الهم الأساسي الذي دفع بهؤلاء للمشاركة في العملية اليوم هو هذا ملف المعتقلين الإسلاميين، وفق تصريح محمد عبد الوهاب رفيقي، ويقول رفيقي بهذا الخصوص إن مشاركته في العملية الانتخابية هي أساسا لـ"حمل ملف المعتقلين الإسلاميين وكل ما يتعلق بإدماجهم الاقتصادي والاجتماعي"، ويعتبر أن السياسة هي "البوابة لأجل ذلك"، والمساهمة في محاربة التطرف والإرهاب.

لكن السلفي عبد الكريم الشادلي يعتبر المشاركة في العملية الانتخابية ليست اقتناعا بالديمقراطية وإنما "وسيلة" لتحقيق "مشروع الأمة". وينفي الشاذلي، وهو أحد رموز السلفية الجهادية في المغرب تمت ملاحقته في مناسبات مختلفة، أن تكون السلفية "تنازلت عن مشررعها لحساب الديمقراطية"، مؤكدا أن "الشورى تبقى فوق الديمقراطية".

كما يرى أنه لا تطرح مسألة توظيف "الديمقراطية كوسيلة للوصول إلى الشورى أي مشكل" بالنسبة له، معتبرا أنه إن "لم تكن هناك شورى يعني أن السلفية انتهت".

وإن كان سيحصل تضارب في الرؤى بين السفليين والأحزاب التي انضموا إليها، يعتبر الشادلي أن "الإسلام دين الجميع وليس لدينا أي اختلاف بهذا الخصوص"، لكنه يركز على أن "الإصلاح" في الوقت الحالي يكون بـ"التدرج" بدءا من مظاهر الحياة كـ"منع بيع الخمر مثلا".

"السلفيون لم يكن لهم مشروع سياسي"

يطرح أبو حفص رؤية مغايرة للشاذلي، حيث يرى أن السلفيين الذين يشاركون اليوم في العملية الانتخابية "ليس لهم بناء فكري متلاحم متلائم مع العمل السياسي، ولم يكن لهم مشروع سياسي في يوم من الأيام بل حتى فكري رصين وقوي يتناسب مع أصول العمل السياسي".

وينفي مرشح حزب الاستقلال وجود "نموذج للدولة الإسلامية في الإسلام. وإنما هو شكل من أشكال التدبير لمرحلة وفق شروط زمكانية معينة"، معتبرا أن "التدبير اليومي للدولة هي قضايا دنيوية موكولة للبشر والإسلام لا يقدم إلا الإرشادات العامة مثل الدعوة إلى العدل والتشاور، أما التفاصيل فهي متروكة للبشر. ليس هناك نظام سياسي إسلامي معين، ولا أعرف شيئا اسمه النظام السياسي الإسلامي".

وهناك شق كبير من السلفيين لايزالون على هامش اللعبة السياسية في المغرب، وهذا ما أكده أبو حفص نفسه، عارضوا مشاركة السلفيين في العملية الانتخابية، ويعتقد أبو حفص أن إقناعهم للانخراط في الحياة السياسية يمر عبر الوسائل "الشرعية والعلمية".

الباحث المغربي في الحركات الإسلامية إدريس الكنبوري
بوعلام غبشي/ فرانس24

لماذا تم إدماج السفليين في الحياة السياسية؟

الباحث المغربي في الحركات الإسلامية إدريس الكنبوري يرجع دمج السلفيين في العملية الانتخابية لكون الأحزاب تعيش أكثر من "أزمة في الشرعية والإيديولوجية"، ما أفقدها مكانتها في الساحة السياسية، ودفعها للبحث عن وجوه تعيد لها بريقها، وإن كان ذلك لم يحصل إلا بـ"ضوء أخضر من القصر".

ويضيف الكنبوري أن السلفيين "لهم الكريزم والشعبية الكافية التي تجلب لهذه الأحزاب المزيد من الأصوات". ويشير أنها أحزاب لا تملك القوة الكافية لمواجهة الإسلاميين دون وجود سلفيين ضمنها.

ويعتبر أن السلفيين اليوم بمشاركتهم في الحياة السياسية "تأسلموا"، لافتا إلى أن ما يجمع بينهم والإسلاميين هو الدين.

والجديد الذين سيحملوه للساحة السياسية، بالنسبة للكنبوري، هو أنهم سيواصلون العمل وفق توجههم في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، والتحول الذي سيحصل هو أنهم "سيقومون بذلك من داخل المؤسسات بدل المساجد والمنازل المغلقة".

ويؤكد الكنبوري أن القصر في "حاجة لخلق توازن بين الأحزاب السياسية وليس من مصلحته أن يظهر حزبا أكثر شعبية وقوة مقارنة مع الملك وباقي الأحزاب، ويريد أن تظل كلها تحت مراقبته".

ووجود السلفيين في معترك الساحة الساحة السياسية يكسر هيمنة "العدالة والتنمية" على الخطاب الديني، وفق تفسير الكنبوري. ويبدو أن استراتيجية الدولة بهذا الشأن تسير في سياق سياسة "فرق تسد" وفق تعبيره.

 

بوعلام غبشي

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24