عامان على الحصار الذي يفرضه تنظيم "الدولة الإسلامية" على مدينة دير الزور في سوريا
عامان مرّا منذ أن أحكم تنظيم "الدولة الإسلامية" حصاره الخانق على مدينة دير الزور (شرق سوريا). منذ ذلك الحين، بات وصول الغذاء والمساعدات إلى نحو مئة ألف شخص محاصرين غرب المدينة شبه مستحيل، فيما يقبع نحو 50 ألفا من الأهالي في القسم الشرقي تحت سيطرة الجهاديين.
نشرت في: آخر تحديث:
منذ عامين، لم يتذوق الفتى مصطفى الموسى اللحوم والحلويات الأحب إلى قلبه، شأنه شأن كثيرين من سكان الأحياء تحت سيطرة الجيش السوري في مدينة دير الزور والمحاصرة بشكل محكم من تنظيم "الدولة الإسلامية".
ويقول مصطفى البالغ من العمر 12 عاما لوكالة فرانس برس، "لم أتناول الفروج واللحمة والفواكه والبسكويت منذ عامين نتيجة الحصار". ويضيف بخجل، "أشتهي كل هذه الأطعمة".
وعلى غرار مصطفى، تقول أم باسل، وهي سيدة خمسينية بحسرة شديدة، "تعبنا من الحصار"، قبل أن تضيف، "إنهم عديمي الإنسانية، جوعونا ونريد أن يفك الحصار، لنشعر أننا بشر نستحق الحياة".
وبعد سيطرته في تموز/يوليو العام 2014، على نحو ستين في المئة من مساحة مدينة دير الزور الواقعة في شرق البلاد، تمكن تنظيم "الدولة الإسلامية" مطلع العام 2015 من محاصرتها بشكل محكم، لتصبح المدينة الوحيدة التي يحاصر فيها الجهاديون الجيش.
ومنذ ذلك الحين، بات الوصول إلى مناطق سيطرة الجيش متاحا عبر المروحيات العسكرية في وقت تلقي طائرات سورية وروسية وأخرى تابعة لبرنامج الأغذية العالمي، المساعدات الغذائية جوا إلى نحو مئة ألف شخص محاصرين بشكل رئيسي في غرب المدينة، فيما يقيم قرابة خمسين ألف شخص في القسم الشرقي تحت سيطرة الجهاديين.
وفي وسط شارع الوداي الذي تحوّل سوقا رئيسية في حي الجورة، يفرش العشرات من الباعة ما توفر لديهم على بسطات يضيق بها الشارع. وتقتصر البضائع المعروضة على الحشائش من سلق وجرجير وسبانخ، بالإضافة إلى الدخان وبعض المعلبات، في وقت تندر الخضار والفواكه والفراريج.
وفي حال توفر بعض المواد، فإن أسعارها باهظة، إذ يبلغ سعر الكيلوغرام من اللحمة الرديئة الجودة 15 ألف ليرة سورية (30 دولارا).
ومع تناقص السلع الرئيسية، بات الأهالي يعتمدون على مواد بديلة، فيشترون "روح السكر" بدلا من السكر العادي، الذي بات سعر الكيلوغرام الواحد منه 3500 ليرة (سبعة دولارات).
ويقول أحد التجار لفرانس برس، إن ملعقة صغيرة من هذه المادة التي تستخدمها مصانع ومحلات الحلويات، تكفي لتحلية إبريق من الشاي.
عمليات تهريب
وبات طبق الفلافل الشعبي يعتمد على الفاصوليا التي تطحن عوضا عن الحمص غير المتوفر. وبات الأهالي وأصحاب المطاعم الصغيرة يستخدمون الفاصوليا بكثرة، كونها إحدى الحبوب التي تحتويها الحصص الغذائية الموزعة في المساعدات.
وعلى رغم أن المدينة محاصرة منذ نحو عامين، لكن الوضع بات أصعب منذ سيطرة الجهاديين مطلع العام الحالي على قرية البغيلية غرب مدينة دير الزور. وكانت تضم معبرا يستخدم لتهريب المواد الغذائية، وفق ما يؤكد تجار لفرانس برس رفضوا الكشف عن هوياتهم.
ويروي هؤلاء أن عمليات التهريب التي تتم مقابل مبالغ مرتفعة، لا تزال ممكنة فقط عبر نهر الفرات الذي يفصل بين أحياء تحت سيطرة الجيش وأخرى مع الجهاديين.
ويوضح أحد التجار أن عمليات التهريب غالبا ما تتم ليلا على متن عوامات تُرسل عبر النهر من مناطق الجهاديين إلى مناطق سيطرة جيش النظام.
وأمام فرن في شارع الوادي، تقول أم خالد، وهي موظفة ستينية متقاعدة، "نقف لساعات حتى نتمكن من الحصول على ربطة الخبز التي تبقينا على قيد الحياة".
وتتولى الحكومة السورية إدارة ثلاثة أفران في المدينة. وبدأت منذ أسبوعين، توزيع سبعة آلاف ربطة خبز بشكل مجاني على الأسر الأكثر فقرا. ويأمل القيمون على هذا المشروع توزيع 17 ألف ربطة مع نهاية الشهر الحالي.
ومع نقص المياه، لجأ الأهالي إلى حفر الآبار. وبالقرب من مسجد التوبة، يتعاون مجموعة من الرجال على سحب المياه من أحد الآبار.
ويقول أحمد السرور "نعاني منذ عامين صعوبة في تأمين المياه.. بسبب عدم توفر الكهرباء وقلة المحروقات"، موضحا أن الحصول على مياه الشرب يتم مرة واحدة أسبوعيا عبر خدمة ضخ المياه، "أما مياه الغسيل والاستخدامات الأخرى فنحصل عليها من الآبار التي تم حفرها في أحياء عدة".
نقص في المحروقات
وتنعكس ندرة المحروقات وارتفاع أسعارها عند توفرها على حياة الناس اليومية، بدءا من دفن موتاهم وصولا إلى متابعة أخبار العالم الخارجي.
ويروي خلف الصالح كيف باتت الحديقة العامة في حي الجورة مقبرة إذ يقول، "كانت عامرة بالأشجار الخضراء ومتنفّساً للأهالي والأطفال، ولكن بسبب ظروف الحصار وبُعد الطريق إلى منطقة المقابر، تحولت الحديقة مقبرة يدفن فيها الموتى".
ومع سيطرة الجهاديين على محطة رئيسية لتزويد المدينة بالكهرباء، باتت خدمة الكهرباء غير متوفرة وبالكاد تتمكن المولدات من العمل مع نقص المحروقات.
ويروي عدد من السكان لمراسل فرانس برس كيف باتوا يستخدمون بطاريات السيارات لتأمين إنارة جزئية داخل المنازل.
ومنذ عامين، حرم كثيرون من أهالي ديرالزور من التواصل مع العالم الخارجي ومشاهدة التلفاز ومن خدمة الانترنت. وباتت المقاهي التي تفتح أبوابها مساء لثلاث ساعات، المتنفس الوحيد على رغم ارتفاع اسعار الخدمات التي توفرها.
وعملت الحكومة السورية على إعادة شبكة الاتصالات الخلوية فضائياً، عبر التعاقد مع شركة صينية، أمنت ربط شبكة الخلوي بين ديرالزور والمحافظات الأخرى عبر الأقمار الصناعية، لكنها ضعيفة الجودة، بسسب عدم القدرة على تشغيل محطة الاتصالات إلا لساعات محدودة نتيجة قلة المحروقات.
وأمام منزله في الحي ذاته، ينهمك محمد العبيد في تقطيع الخشب. ويقول "تبيعني الناس أثاث منازلها من أسرّة وخزائن الملابس..، ليشتروا بثمنها ما يأكلونه".
ويروي بحسرة "اضطررت إلى نشر خزانة منزلي من أجل تدفئة أولادي.. كنت في السابق سائق سيارة أجرة أملكها، ولكن مع فقدان المحروقات، تحوّلت إلى بائع حطب".
ويخلص إلى القول "أسترزق لأعيّش أولادي".
فرانس24/ أ ف ب
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك