هولندا

هولندا: انتخابات تشريعية تقيس نبض أوروبا إزاء التيارات المتطرفة والوحدة الأوروبية

يتنافس 28 حزبا خلال الانتخابات النيابية الهولندية، ويظل الصراع على المرتبة الأولى محصورا بين كل من اليمين المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز والحزب الليبرالي الحاكم بزعامة مارك روته. نتائج الانتخابات ستقيس نبض الشارع الأوروبي، وإمكانيات عودة الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى السلطة مع اقتراب موعدين انتخابين حاسمين في ألمانيا (تشريعية) وفرنسا (رئاسية).

خيرت فيلدرز، زعيم حزب "الحرية" اليميني المتطرف
خيرت فيلدرز، زعيم حزب "الحرية" اليميني المتطرف أ ف ب / أرشيف
إعلان

بعد أشهر من حملة انتخابية عنوانها الأبرز الجدل والمخاوف من صعود اليمين المتطرف، تدخل هولندا يوم الحسم. فالمواطنون الهولنديون مدعوون إلى التصويت خلال الانتخابات النيابية، التي تعتبر "ترمومترا" لمدى تغلغل الفكر اليميني المتطرف في البلاد، وفي دول الاتحاد الأوروبي بشكل عام، ولإمكانية نجاح أحزاب يمينية متطرفة أخرى في الوصول إلى سدة الحكم في بلدان الجوار. خاصة أن كلا من ألمانيا وفرنسا على بعد أسابيع من محطات انتخابية حاسمة، قد تقلب موازين القوى السياسية داخل الاتحاد الأوروبي، وتفتح الباب أمام عودة اليمين المتطرف بكل ألوانه إلى الحكم.

تحقيق اليمين المتطرف الهولندي لنتائج إيجابية في الانتخابات، سيعبد الطريق أمام مرشحة حزب "الجبهة الوطنية" الفرنسية مارين لوبان للوصول إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، كما يؤكد محللون أن انتصارا لليمين المتطرف في هولندا، قد يؤدي إلى موجة تصويت واسعة لفائدة حلفاء الحزب في الدول الأوربية. وهو الأمر ذاته في ألمانيا إذ تجد المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، نفسها في وضع صعب مع تراجع شعبيتها داخل أوساط الناخبين وفي صفوف حزبها "الاتحاد المسيحي الديمقراطي". ألمانيا التي تنظم انتخابات تشريعية في 24 سبتمبر/أيلول المقبل، تواجه هي الأخرى خطر صعود نجم "حزب البديل من أجل ألمانيا" المتطرف الذي حقق نتائج مهمة خلال الانتخابات الأخيرة لبرلمانات المقاطعات في ألمانيا الفدرالية.

 ويلتقي كل من "الجبهة الوطنية" الفرنسي و"البديل من أجل ألمانيا" مع "حزب الحرية" الهولندي في مواقفه المعادية للمسلمين واللاجئين والعملة الأوربية الموحدة، ورغبتهم في الانفصال عن الاتحاد الأوروبي على المدى البعيد.

 

أوروبا عند منعطف "اليمين المتطرف"؟
استطلاعات الرأي أعطت طيلة أشهر تقدما لخيرت فيلدرز، رئيس "حزب الحرية"، المتطرف والمعروف بمواقفه المعادية للأجانب، بخاصة المسلمين، ولمؤسسات الاتحاد الأوروبي. لكن الأيام القليلة الماضية دفعت بـ"الحزب الشعبي الليبرالي الديمقراطي" الحاكم إلى الصدارة، بفارق طفيف في استطلاعات الرأي (%0.3) لتعيد الآمال بإمكانية تكليف زعيمه، رئيس الوزراء الحالي مارك روته، مجددا بتشكيل الحكومة.

وكيفما كان مآل الانتخابات التي يعلن عن نتائجها الرسمية، في 21 مارس/ آذار الجاري فإن فيلدرز الذي صار يحمل في وسائل الإعلام لقب "ترامب الهولندي"، سيحصل على جزء مهم من المقاعد البرلمانية (حوالي 24 مقعدا من أصل 150 حسب الاستطلاعات)، ليفتح صفحة جديدة من الحياة السياسية في هولندا، التي يشكل المهاجرون فيها ما يقارب العشرين في المئة من تعداد السكان. وهم جزء من المجتمع صار شماعة يعلق عليها اليمين المتطرف كل متاعب البلاد وبخاصة المغاربة والأتراك منهم.

لكن الانتصار الأكبر لـ"حزب الحرية" المتطرف يتمثل في أنه قلب المشهد السياسي الهولندي رأسا على عقب، إذ دفع خصومه السياسيين إلى تبني خطاب أكثر تشددا في قضايا الهجرة والعلاقة مع مؤسسات الاتحاد الأوربي. محاولة "طمأنة" الناخبين من أصول هولندية، واستمالتهم لكسب أصواتهم دفعت إلى تبني خصوم فيلدرز مواقف أكثر تصلبا وشبيهة بمواقفه، كما هو الحال مع زعيم الحزب الليبرالي، مارك روته، الذي يعرف حزبه بمواقف أكثر ليبرالية ويدعو إلى التعدد الثقافي. لكن هذا الأخير بادر إلى نشر رسالة، وصفت بالشعبوية، إلى مواطنيه وعنوانها "تصرفوا طبيعيا أو ارحلوا". رسالة اعتبرت موجهة أساسا ضد المسلمين.

بهذا يكون اليمين المتطرف قد استطاع أن يفرض أجندته السياسية، والمواضيع التي تروج في النقاش المجتمعي والسياسي داخل المملكة. مواقف حزب "الحرية" المرتكزة على قومية متطرفة، وخطاب هوياتي، معاد للمسلمين والمهاجرين، يعتبر حجر الزاوية في إستراتيجيته، التي دفعت به إلى صلب الاهتمام الإعلامي، وجعلت كثيرين يتعاطفون معه. ويشكل زعيمه فيلدرز رمز هذه التوجهات، فلم يسلم الهولنديون من أصول مسلمة من انتقاداته وشتائمه طيلة الحملة الانتخابية التي طبعتها تصريحات نارية وعد خلالها بحظر بيع القرآن والحجاب وإغلاق المساجد في حال وصول حزبه إلى الحكم.

المواطنون الهولنديون من أصول أجنبية وغالبيتهم من المغاربة والأتراك، كانوا في قلب تصريحات فيلدرز الإعلامية خلال الحملة. ولم يتردد خلال تجمع خطابي بوصف الشباب الهولنديين من أصول مغربية بـ "الرعاع" و"الحثالة"، على الرغم من أن محكمة هولندية سبق أن حاكمته بالتمييز ضدهم، خلال العام 2016. ويعتبر المغاربة الذين استقدمتهم هولندا بعد الحرب العالمية الثانية في مجهودات إعادة إعمار البلاد من أكبر الجاليات تاريخيا في مملكة هولندا. لكن مؤشرات الهجرة انقلبت في السنوات الأخيرة، إذ صار البولنديون أكثر الجنسيات انتقالا إلى المملكة، بعد التحاق بلادهم بالاتحاد الأوروبي.

كما أن الأزمة الأخيرة مع تركيا بخصوص التجمعات الخطابية التي كان يعزم مسؤولون أتراك تنظيمها لحث المهاجرين الأتراك على التصويت بـ "نعم" على التعديل الدستوري المقترح من طرف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعطت فرصة لفيلدرز، لتوجيه انتقادات شديدة للأتراك والاستمرار في نهجه الذي يدعي التصدي إلى ما يصفه بـ"أسلمة هولندا".

برنامج فيلدرز الانتخابي لا يتوقف عند الانتقادات الموجهة إلى المسلمين والمهاجرين الذين يمثلون 5 في المئة من السكان، بل يقدم وعودا اقتصادية تثير شهية ناخبين ذوي توجهات ليست يمينية بالضرورة، من قبيل عدم الرفع من سن التقاعد، والحفاظ على المساعدات الاجتماعية والطبية للمواطنين، والخروج من الاتحاد الأوروبي الذي يرى فيه عائقا للتنمية.

فيلدرز والحكومة، قصة حب معقدة

يشارك في الانتخابات النيابية الهولندية 1114 مرشحا، يتنافسون على 150 مقعدا برلمانيا، سيحسم في تركيبتها الناخبون الذين يبلغ عددهم 12.9 مليون ناخب. وتشير استطلاعات الرأي، إلى أن نوايا التصويت للحزبين الأكثر حظوظا للظفر بالانتخابات لا تتجاوز % 16 بينما تتراوح من 8 إلى 11 في المئة لصالح خمسة أحزاب أخرى.

ينص دستور المملكة الهولندية على تكليف الفائز بالانتخابات بتشكيل تحالف من الأحزاب الفائزة يجب أن يحصل على أغلبية برلمانية (76 مقعدا) لتشكيل الحكومة الجديدة. وعلى مر العقدين الأخيرين شكلت الحكومات الائتلافية الهولندية المتعاقبة انطلاقا من تحالفات بين أحزاب الوسط (سواء كانت ذات توجهات يمينية أو اشتراكية الديمقراطية). لكنها الأحزاب التي توجد اليوم في صلب الانتقادات وعزوف الناخبين عن الانتخاب بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، والتوتر الاجتماعي، وعدم تطبيقها للعديد من الوعود الانتخابية التي قدمتها قبيل انتخابات 2012. بينما يرى مشروع الأحزاب اليمينية المتطرفة، إقبالا متناميا في أوساط الناخبين.

لكن فوز "حزب الحرية" بالمركز الأول في الانتخابات لا يعني بالضرورة دخوله إلى الحكومة في مشهد سياسي مبني على أساس الحكومات الائتلافية بين الأحزاب المختلفة. وكانت عدة أحزاب قد أعلنت رفضها لوضع يدها في يد خيرت فيلدز لتشكيل حكومة جديدة. وتختلف الدوافع من حزب إلى آخر، فإن كان البعض يرفض المواقف الشعبوية لمرشح اليمين المتطرف، يرفض آخرون التحالف معه لرغبته في إطلاق عملية استفتاء "نيكزيت" للخروج من الاتحاد الأوروبي. وهو الموقف الذي نجح في بريطانيا، وتتبناه العديد من الأحزاب الشعبوية في دول أوربية متفرقة على غرار حزب "الجبهة الوطنية" الفرنسي الذي قد يعبد انتصار "الحرية" الهولندي الطريق أمامه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة.

الأكيد أن الانتخابات التي يشارك فيها 28 حزبا هولنديا سترسم مشهدا سياسيا جديدا في البلاد. مشهد يرى كثيرون أنه يهدد مستقبل الوحدة الأوربية.

محمد الخضيري

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24