هل هي نهاية قصة النجاح الباهر لرجل الأعمال الفرنسي من أصل لبناني كارلوس غصن؟
يشكل توقيف رئيس مجلس إدارة تحالف "رينو-نيسان-ميتسوبيشي" لتصنيع السيارات كارلوس غصن الاثنين في اليابان بداية مسلسل قضائي قد يستمر لسنوات، ولكنه من المرجح أن يشكل في الوقت ذاته نهاية قصة النجاح الباهر بالنسبة لرجل الأعمال الفرنسي من أصل لبناني الذي ولد في البرازيل قبل 64 عاما. فمن هو كارلوس غصن؟ وما موقعه ضمن رؤساء كبرى الشركات العالمية؟
نشرت في: آخر تحديث:
في عام 2016، احتفل "إمبراطور الأعمال" كارلوس غصن بزواجه الثاني في قصر فرساي بضاحية باريس وكأنه يستذكر عهد الملك لويس الرابع عشر الفاخر. وكان وقتها ضمن قلة قليلة من "أمراء" قطاع تصنيع السيارات على المستوى العالمي، وصاحب قصة نجاح باهر كتبها لنفسه منذ نحو أربعين عاما.
ولكن يبدو أن هذه القصة قد دخلت في مرحلة النهاية، على الأقل في عيون الإعلام الياباني، بعد السقوط المدوي والتوقيف "المثير" الذي تعرض له غصن الاثنين لدى هبوط طائرته الخاصة في العاصمة اليابانية طوكيو بشبهة التهرب الضريبي. ففي حين نزل الخبر كالصاعقة على أسواق البورصة العالمية، أكدت النيابة العامة في طوكيو الثلاثاء في بيان أن رئيس مجلس إدارة تحالف "رينو-نيسان-ميتسوبيشي" متهم بارتكاب مخالفات مالية حيث صرح طوال خمس سنوات عن مدخول أقل بالنصف من مدخوله الحقيقي.
وبحسب تقديرات السلطات القضائية اليابانية، فإن كارلوس غصن (64 عاما) قد أخفى عن مصلحة الضرائب ما يقارب خمسة مليارات ين، (نحو 50 مليون دولار) بين حزيران/يونيو 2011 وحزيران/يونيو 2015.
نحو 13 مليون يورو في 2017
كان غصن يملك في اليابان صورة "الأجنبي القوي" الذي تمكن من إنقاذ شركات يابانية من الإفلاس حيث يقول كوسوكي ساتو الخبير الاقتصادي البارز في معهد أبحاث اليابان، إن "غصن هو على الأرجح أنجح رئيس مجلس إدارة أجنبي في اليابان" و"ما فعله لم يكن له مثيل في تاريخ الشركات اليابانية"، إلأ أن هذه الصورة سرعان ما تبخرت مساء الاثنين الماضي.
حيث كشف التلفزيون الياباني الرسمي "آن إتش كي" الأربعاء أن "نيسان" دفعت "أموالا هائلة" لتزويد غصن بمنازل فخمة في ريو دي جانيرو وبيروت وباريس وأمستردام، فيما مددت المحكمة حجزه الاحتياطي عشرة أيام إضافية.
وأثار توقيف هذا الرجل المولود في البرازيل في 1954 والمتحدر من أصول لبنانية، بشبهة التهرب الضريبي استغراب كثيرين في فرنسا واليابان، وكذلك في لبنان علما أنه كسب في 2017 نحو 13 مليون يورو كمقابل مادي للمناصب المتعددة والعالية التي يشغلها وأبرزها رئيس تحالف "نيسان-رينو-ميتسوبيشي".
وهو في الوقت نفسه رئيس مجلس إدارة "نيسان" (التي تمتلك 15 بالمئة من "رينو")والرئيس التنفيذي لشركة "رينو" (التي بدورها تمتلك 43.4 بالمئة من "نيسان").
وكان راتبه هائلا بالمعايير اليابانية وأدى إلى انتقادات له حتى على مستوى الحكومة في فرنسا.
للمزيد: كارلوس غصن في برنامج "ضيف ومسيرة"
وسارعت "نيسان" إلى الإعلان أنها ستقترح على مجلس إدارتها إقالة الرئيس من منصبه، وذلك بعد أن كشفت بأنه "أعلن على مدى عدة سنوات عن عائدات تقل عن مدخوله الفعلي"، مشيرة إلى أنه استخدم أملاك الشركة "لغايات شخصية".
من البرازيل إلى فرنسا مرورا بلبنان
بدأت مسيرة كارلوس غصن المهنية في عام 1978 في شركة "ميشلان" الفرنسية لتصنيع الإطارات، حيث حقق نجاحات كبيرة قادته إلى تولي مناصب عليا في فروع الشركة بأمريكا الجنوبية، لا سيما البرازيل. وتمكن من فرض أسلوب مرن أثمر عن تحقيق الأرباح.
وتخرج غصن من مؤسستين شهيرتين في باريس هما مدرسة "بولتيكنيك" وكلية "التعدين"، بعدما أتم دراسته الابتدائية والثانوية بمؤسسات كاثوليكية في لبنان حيث استقر بعد رحيله مع أمه من البرازيل عندما كان في سن السادسة. وبرز نجمه في عام 1996 عندما أصبح مديرا تنفيذيا لشركة "رينو"، وأصبح الرجل الثاني فيها بعد لوي شفايزر – ثم رئيسا لها في 2005.
وبادر غصن بإعادة هيكلة "رينو" قبل أن يشرف على مهمة التقارب مع "نيسان اليابانية المشرفة على الإفلاس لأجل ضمها إلى "رينو". ونجح في كسب لقب "قاتل النفقات" إلى إنقاذ الشركة في 1999 بعد إغلاق خمسة مصانع وإلغاء نحو ألف وظيفة. فانبعثت "نيسان" ليتولى غصن رئاسة مجلس إدارتها وتأسست مجموعة جديدة اسمها "رينو-نيسان" (بزعامته)، ليصبح بطلا في اليابان بين عشية وضحاها.
"انقلاب" داخلي في شركة "نيسان"؟
رجح محللون أن يكون "سقوط" كارلوس غصن نتيجة "انقلاب" داخل الشركة اليابانية، إذ وصف رئيس مجلس إدارتها الحالي هيروتو سايكاوا "النهوض بالشركة على أنه ثمرة عمل مجموعة كبيرة من الأشخاص"، كما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن محلل قطاع صناعة السيارات في شركة "سي إل إس إيه" كريستوفر ريشتر.
وبحسب الوكالة الفرنسية، فإن الخلافات الداخلية خرجت إلى العلن الاثنين حين قام رئيس مجلس إدارة "نيسان" هيروتو سايكاوا بتفكيك إرث غصن والتقليل من دوره كـ"منقذ للشركات" .
وبعد "نيسان"، جلب كارلوس غصن إلى مجموعته شركة يابانية أخرى كبرى كانت تواجه صعوبات مالية هي "ميتسوبيشي موتورز"، وذلك في 2016. وكانت الأخيرة آنذاك تتخبط في فضيحة التلاعب ببيانات قراءات استهلاك الوقود أدت إلى تراجع مبيعاتها.
أكثر من 470 ألف عامل عبر العالم
تولى رجل الأعمال الفرنسي من أصل لبناني إدارة شركة "ميتسوبيشي موتورز" بعد أن اشترت "نيسان" ثلث أسهمها مقابل 2,2 مليار دولار. وبالتالي، أصبحت المجموعة تحالفا يسمى "نيسان-رينو-ميتسوبيشي" ويقوده غصن.
وبحسب ما قاله المحلل في مركز الأبحاث والاستشارات "تي.آي.دبليو" ومقره طوكيو ساتورو تاكادا لوكالة الأنباء الفرنسية، فإن توقيف كارلوس غصن "سيهز" التحالف (...) كونه ركيزته الأساسية و"الرجل الذي يتمتع بقوة الجذب" فيه، مضيفا: "من المحتمل أن يؤثر ذلك سلبا على صورة العلامة التجارية" للتحالف.
وذكرت "ميتسوبيشي الثلاثاء أنها تعتزم اقتراح إقالة كارلوس غصن من منصب رئيس مجلس الإدارة على وجه السرعة بعد توقيفه. وقد باعت الشركات الثلاث في 2017 نحو عشرة مليون سيارة، وهي تشغل 470 ألف عامل في مختلف دول العالم.
"غصن هو مواطن لبناني منتشر وهو يمثل إحدى النجاحات اللبنانية في الخارج"
وأثار توقيف - وربما سقوط - كارلوس غصن إحباطا في لبنان. فقد "أعطى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل توجيهاته لسفير لبنان في طوكيو، نضال يحيى، بضرورة متابعة قضية (...) السيد كارلوس غصن، واللقاء به للاطلاع على حاجاته والتأكد من سلامة الإجراءات المتخذة والحرص على توفير الدفاع القانوني له ليتسنى له عرض ما يمتلكه من وقائع وأدلة وفرصة حقيقية للدفاع عن نفسه"، كما أفاد موقع "لبنان 360".
وتابع الموقع: "غصن هو مواطن لبناني منتشر وهو يمثل إحدى النجاحات اللبنانية في الخارج، والخارجية اللبنانية ستقف إلى جانبه في محنته لتتأكد من حصوله على محاكمة عادلة".
علاوة مزياني
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك