صحافي في جزيرة قبرص الصغيرة يتحدى الرئيس التركي

إعلان

نيقوسيا (أ ف ب) - تعرّض الصحافي شينير ليفنت لضغوط كثيرة من محاولة اغتيال وسجن إلى محاكمات متتالية، وواجه غضب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال عشرين عاماً كان ينشر أثناءها صحيفة في "جمهورية شمال قبرص التركية" التي لا تعترف بها إلا أنقرة.

ويقول هذا القبرصي التركي السبعيني الذي غزا الشيب شعره، "هناك دائماً ثمن يجب أن ندفعه لحرية التعبير. لكن علينا معرفة كيف نتخلص من مخاوفنا".

في نيقوسيا، على مكتب ليفنت الذي يقرأ كتب الفيلسوف الفرنسي ألبير كامي والمؤلف البريطاني وليام شكسبير، يمكن رؤية فنجان قهوة وسجائر وصحف مكدسة وشاشة تُظهر مشاهد من مداخل المبنى تنقلها كاميرات مراقبة. وهي إحدى التدابير الأمنية التي اتُخذت بعد الاعتداءات التي استهدفت صحيفته "أفريكا" والصحافيين العاملين فيها.

ويعود الاعتداء الأخير إلى مطلع العام 2018 عندما رمى مئات المتظاهرين الحجارة على مقرّ الصحيفة احتجاجاً على مقال ينتقد العملية التي شنتها تركيا ضد المقاتلين الأكراد في عفرين في شمال سوريا.

وعنونت صحيفة "أفريكا" حينها "عفرين، (أرض) ثانية تحتلّها تركيا" بعد قبرص.

ومنذ العام 1974، يعتبر المجتمع الدولي الشطر الشمالي من قبرص حيث وُلد وعاش شينير ليفنت، محتلاً من تركيا. وقد تدخلت هذه الأخيرة عسكرياً ردا على محاولة انقلاب نظّمها القبارصة اليونانيون الذين كانوا يريدون الحاق الجزيرة باليونان رغماً عن القبارصة الأتراك.

وتنشر أنقرة 35 ألف عسكري في "جمهورية شمال قبرص التركية" التي تعتبرها دولة مستقلة رغم أنها غير معترف بها من جانب أي دولة أخرى.

- "الخشية من الأسوأ" -

وتعتبر أنقرة وصف الوجود التركي في قبرص بـ"الاحتلال" إهانة وتشهيرا وكذلك بالنسبة إلى الانتقادات الموجهة إلى عملياتها ضد الأكراد.

وبعد العنوان الذي نشرته "أفريكا"، دعا إردوغان "الإخوة في شمال قبرص إلى القيام بالردّ اللازم". وفي اليوم التالي، هاجم حشد من القوميين المتطرفين الصحيفة تحت أعين الشرطة القبرصية التركية.

ويبدو غريباً أن يكرّس الرئيس التركي هذا القدر من الانتباه إلى صحيفة صغيرة تبيع 1500 نسخة في أرض تعدّ حوالى 300 ألف نسمة فقط.

وتعتبر منظمة "مراسلون بلا حدود" أن حملة "مطاردة وسائل الإعلام المنتقدة التي تشنها حكومة إردوغان" تجعلنا "نخشى آثاراً جانبية على قبرص".

وتحتلّ تركيا المرتبة 157 من أصل 180 في الترتيب العالمي لحرية الصحافة لعام 2018 لدى منظمة مراسلون بلا حدود.

وبحسب موقع "بي 24" المختص في حرية الصحافة، هناك أكثر من 160 صحافياً مسجوناً في تركيا.

ولدى سؤاله عن الاتهامات بالتدخل التي وجهتها إليه وسائل الإعلام في شمال قبرص، قال السفير التركي في نيقوسيا علي مراد باسيري لوكالة فرانس برس إنها "ادعاءات لا أساس لها".

وترى بولين أديس-ميفيل، المسؤولة في منظمة "مراسلون بلا حدود" في الاتحاد الأوروبي ودول البلقان أن "صحافي مستقلّ يرفع صوته وينتقد تركيا مثل شينير ليفنت يمكن أن يخشى الأسوأ".

ويواجه ليفنت حالياً ثلاث قضايا في شمال قبرص بتهمة "التشهير بقائد أجنبي" و"إهانة الدين" و"نشر معلومات خاطئة بنية خلق الخوف والذعر بين السكان"، حسب ما أكد محاميه تاكان رينار لفرانس برس.

وهو عرضة لعقوبة بالسجن تصل مدتها إلى خمس سنوات بسبب عنوان الصفحة الأولى بشأن عفرين ورسم كاريكاتوري لإردوغان انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وأعادت الصحيفة نشره. ورأت منظمة "مراسلون بلا حدود" أن هذه الملاحقات "غير متناسبة".

- ضدّ الظلم -

ويتخوّف محاميه من أن تكون هناك ملاحقات جارية في تركيا ولو حتى لم يتم الإبلاغ عنها. وخوفاً من أن يتم توقيفه، يتجنب شينير ليفنت السفر إلى دولة "غير ديموقراطية" بحسب قوله.

وردا على هذه المخاوف، تؤكد "جمهورية شمال قبرص التركية" أنه لن يتم ترحيل القبارصة الأتراك إلى تركيا.

ويرى الصحافي جواز السفر الأوروبي الذي يحمله مثل جميع القبارصة الأصل بما فيهم أولئك الذي يعيشون في الشمال المحتلّ، على أنه إحدى وسائل الحماية النادرة. ويقول "تركيا تدرك أنها لا يمكن أن تتصرف معنا كمواطنين أوروبيين، كما تفعل مع مواطنيها".

وتعهد الصحافي بالحفاظ على خطّه التحريري وانتقاداته لإردوغان ومكافحته من أجل إعادة توحيد الجزيرة، هو الذي اختار قبرصيين يونانيين ليكونا شاهدين على زواجه.

وخلال عشرين عاماً من عمله في الصحافة، تعرّض لضغوط قوية.

ففي العام 2002، سُجن مع زميله ممدوح اينر قرابة شهرين لـ"إهانة" الزعيم القبرصي التركي حينها رؤوف دنكتاش. وفي العام 2011، حاول رجل يعتبره "خائنا" اغتياله. ومذاك، يحمل دائماً مسدساً.

وعند سؤاله لماذا يستمرّ في ذلك، يجيب "أكره الظلم و(أكره) أكثر من أي شيء آخر الصمت حيال الظلم". ويستمر كل مساء في طباعة صحيفته بواسطة مطبعة قديمة في نيقوسيا.

ولا يزال شينير ليفنت متواضعاً. إذ إنه قال "الأبطال الحقيقيون هم الناس الذي يعيشون اليوم في سوريا واليمن"، هاتان الدولتان حيث تواجه النساء خصوصا "مخاطر غير معقولة" لإعالة أسرهنّ يومياً.