تونس: مدرسة سيدي بوزيد القرآنية تعيد الجدل حول المدارس الدينية والأفكار "المتشددة" التي تنشرها
أثار اكتشاف مدرسة قرآنية في منطقة سيدي بوزيد، وسط تونس، كان يحتجز فيها 42 طفلا، تعرض اثنان منهم لاعتداءات جنسية، ضجة كبيرة في الأوساط الإعلامية والسياسية المحلية. وأقالت الحكومة على إثرها والي المنطقة ومسؤولين محليين. وتحيي هذه القضية الجدل حول شرعية المدارس الدينية التي جاءت غداة الثورة التونسية والأفكار المتشددة التي ينشرها القائمون عليها.
نشرت في: آخر تحديث:
كشفت قضية إغلاق مدرسة قرآنية في منطقة سيدي بوزيد، وسط تونس، كانت تحتجز عشرات الأطفال، وتقوم بشحنهم بالأفكار المتشددة، وجود تعليم ديني يمارس خارج إطار القانون، مستغلا في ذلك وجود فراغ تشريعي ينظم تأسيس مدارس خاصة بالمجال الديني.
وكانت السلطات التونسية قد أعلنت الأحد أنها أوقفت مدير مدرسة قرآنية في منطقة سيدي بوزيد، وأجْلَت 42 طفلا، كانوا يتابعون تعليمهم الديني فيها، إلى مركز حكومي للأحداث في تونس العاصمة.
وفي توصيف للوضع الذي كان عليه هؤلاء الأطفال، تحدثت وزارة الداخلية التونسية عن "الاستغلال الاقتصادي" لهم في "مجال العمل الفلاحي وأشغال البناء، وتلقينهم أفكارا وممارسات متشددة". وكشف فحص أجراه طبيب شرعي على خمسة من هؤلاء، تعرُّض اثنين منهم لاعتداءات جنسية.
وأمام الضجة التي أحدثتها هذه القضية، سارعت الحكومة إلى إقالة والي المنطقة وأحد مسؤوليها. وأبدت على لسان رئيسها يوسف الشاهد حزما ضد المدارس التي تنشط بشكل غير قانوني، إذ قال في تصريح له: "سنتتبع كل من أجرم بحق الـ42 طفلا والدولة مدنية، ولا تقبل "دمغجة" عقول الأطفال".
"نداء تونس" يحمل الحكومة المسؤولية
وأثارت القضية جدلا كبيرا في الأوساط السياسية والإعلامية. وكان "نداء تونس"، أول التنظيمات السياسية، التي عبرت عن تنديدها بما أسمته "الاعتداء الصارخ على حقوق الأطفال جسديا ومعنويا ممن يتسترون بالدين والإسلام...". واستنكر "كل الأصوات التي ارتفعت مدافعة عن هذه الممارسات اللاأخلاقية وغير القانونية التي عاشها أطفال، أجبروا على مقاطعة حقهم في التعليم والعيش الكريم".
وألقى الحزب باللائمة على الحكومة، محملا إياها "المسؤولية الكاملة في متابعة هذا الملف بكل جدية وشفافية والكشف عن نشأته وموارده المالية ووجوده ونشاطه المشبوه طوال هذه المدة، دون تدخل الدولة والتحري حول وجود أوكار أخرى مشابهة".
من جانبه عبر حزب "التكتل من أجل العمل والحريات"، في بيان، عن تنديده بما اعتبره "فضيحة الدولة"، في تلميح إلى قضية المدرسة القرآنية. وانتقد عدم إغلاقها من ذي قبل رغم إشعار السلطات بوجودها، إذ أشار إلى أنه صدر قرار في هذا الشأن في 2015 إلا أنه "لم يتم تنفيذه".
والتزمت حركة النهضة الإسلامية، المحسوبة على الائتلاف الحكومي، الصمت تجاه القضية، وظهرت تصريحات من قبل البعض من قادتها في وسائل الإعلام، حاولوا فيها إلباس الموضوع عباءة المؤامرة، حيث تساءل أحدهم إن كانت "مجرد صدفة، أم توجد يد تحرك صنفا معينا من الملفات في علاقة بالاستحقاقات الانتخابية القادمة مثلا؟".
هل تنتشر المدارس القرآنية في تونس؟
وهذه المدرسة القرآنية في منطقة سيدي بوزيد، ليست بحالة خاصة، وإنما "توجد مدارس أخرى تنشط بكل حرية في جميع مناطق البلاد، حيث كانت في القرى فقط، لتنتقل للمدن بعد الثورة التونسية"، يشير الباحث التونسي في الحركات الجهادية عبيد خليفي. وقد تم اكتشاف اثنتين أخريين منها مع بداية الأسبوع.
وتستغل هذه المدارس وجود "فراغ تشريعي"، لإنشاء مدارس خارج مراقبة الدولة، يفيد المحامي التونسي أيوب الغدامسي في تصريح لفرانس24، إذ "تخلق عادة تحت غطاء جمعيات". ووقف الغدامسي عند إشكال تنفيذ الأحكام القضائية ضد أكثر من 160 جمعية، والتي ظلت حبرا على ورق، متهما السلطات بـ"القصور".
ودعا هذه السلطات إلى "التحرك على جناح السرعة لملء الفراغ التشريعي" بهذا الخصوص. ويرى أن الجهة الوحيدة "المفروض أن يخول لها هذا النوع من التعليم هي وزارة التربية الوطنية"، فيما لا يخفي أن هذه المدارس على علاقة بحزب النهضة، وهو طرف في الائتلاف الحاكم"، ما ساهم في تكاثرها. فيما يجهل مصادر تمويلها. واعتبر خليفي أن "التحقيقات لوحدها قادرة أن تكشف الجهات التي تقف وراء ذلك".
وشدد الغدامسي على ضرورة "منع الجمعيات التي تنشط على خلفية دينية كما هو حاصل بالنسبة للأحزاب"، ووضع حد لتعليم ديني هامشي، يصنع "مشاريع جهاديين"، حسب تعبيره، يمكن أن يشكلوا "قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت".
ما هي أهداف هذه المدارس القرآنية غير القانونية؟
وجود مدارس قرآنية غير قانونية في تونس جاء في إطار الرفض الذي يبديه "الإسلام السياسي والجهادي للمدرسة العصرية، بحكم أنها لا تعطيه مجالا للحركة والاستقطاب"، يشرح عبيد خليفي. ويعتبر أن هذه المدارس "خزان عقدي وبشري"، اعتمد في دول أخرى كأفغانستان ونجيريا وغيرها من الدول.
"فمفهوم الدولة المدنية والعصرية يشكل خطرا على الإسلام السياسي والجهادي، وبالتالي يريد خلق تعليم مواز"، يضيف صاحب كتاب "الجهاد..لدى الحركة الإسلامية المعاصرة..."، إلا أنه لا يخفي أن هذه المدراس أتت أيضا نتيجة "فشل المدرسة العمومية، لأنها لم تنجح في منح تعليم متكامل للتونسيين".
وفي نفس السياق، يضيف عبيد، أن هذا الفشل يمكن لمسه أيضا في طرد العديد من التلاميذ من التعليم الأساسي. فوجودهم المبكر خارج المنظومة التربوية والتعليمية، يدفع ببعض الآباء إلى البحث عن "الحل السهل" من خلال تسجليهم في المدارس القرآنية. وكان عدد من الأولياء تظاهروا رفضا لإغلاق المدرسة القرآنية بسيدي بوزيد.
وبحسب عبيد، يوجد ما يبرر ضرورة منع هذه المدراس القرآنية، لكونها "تقوم بتحفيظ النص القرآني بدون قراءة معاصرة له، تجعل الطفل عندما يصير في سن الرشد يعتقد أنه أمين على كلام الله"، يمكن أن توظفه الجماعات المتطرفة في حربها على الدولة المدنية.
بوعلام غبشي
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك