مهرجان كان: سرطان التطرف يسرق "أحمد الصغير" من أسرته البلجيكية
لم يخب أمل الجمهور الذي حضر بكثافة لمشاهدة فيلم "أحمد الصغير" في مهرجان كان، إذ كان أمام تحفة سينمائية للمخرجين البلجيكيين الأخوين جان بيير ولوك داردان الفائزين بسعفتين ذهبيتين. ويتحدث الفيلم عن مراهق وقع فريسة للتطرف، ووقفت أسرته عاجزة عن انتشاله من براثنه.
نشرت في: آخر تحديث:
انتظر جمهور كان بشوق كبير فيلم "أحمد الصغير" للمخرجين البلجيكيين الأخوين جان بيير ولوك داردان، الذين سبق لهما أن فازا بسعفتين ذهبيتين. ويبدو أن هذا الجمهور لم يخرج من قاعة العرض خائبا بعد مشاهدته هذه التحفة السينمائية التي تضاف إلى الأعمال الكبرى للأخوين.
والفيلم يأتي في سياق انكباب السينما بشكل عام على ظاهرة التطرف والإرهاب من خلال أعمال حاولت تقريب هذه الآفة من محبي الشاشات الكبرى. وتجلى ذلك بوضوح في مهرجان كان عبر فيلمين عرضا بالمناسبة، ويتعلق الأمر بكل من "بابيشا" للمخرجة الجزائرية منية مدور، و"أبو ليلى" لمواطنها أمين بومدين، اللذين وقفا، كل منهما بطريقته الخاصة، عند الظاهرة في بلدهما في سنوات التسعينات.
أما الأخوان داردان فيظهران في فيلمهما "أحمد الصغير" التطرف كنوع من السرطان استطاع أن يتسرب إلى عائلات أوروبية، وعجزت هذه الأسر عن التصدي له على الرغم من مساعدة الدولة لها. ويظهر الفيلم شابا في أخطر سنوات العمر، أي المراهقة، يخرج عن سيطرة الأسرة، ويتحول لدمية بين يدي إمام كل همه الدفع به أكثر فأكثر نحو التطرف.
سرطان التطرف يسرق أحمد الصغير
يبدأ الفيلم بالتوتر شبه اليومي في حياة أسرة بلجيكية بين الأم وابنها المراهق أحمد، البالغ من العمر 13 عاما، إذ لم تعد لديها أي سيطرة عليه، وأصبح تحت تأثير أفكار خطيرة لإمام متشدد، فيما وقفت هذه الأسرة عاجزة عن حمايته، وصارت هدفا، وخاصة أمه، لعتابه المتواصل على أنها لا تحترم تعاليم الإسلام.
والمحزن في هذه القصة أن الأم على علم تام بأن هذا الإمام هو من يحشو دماغ ابنها بأفكار الحقد والكراهية. لكنها بدت غير قادرة بالمرة على انتزاعه منه. لقد "وقع الفأس في الرأس" كما يقال، ولم يعد بوسع هذه الأم إخراج ولدها من وحل التطرف، الذي يزيد فيه غرقا يوما بعد يوم.
بدا أن كل هم هذا الإمام في الفيلم هو الدفع بهذا المراهق لأقصى ما يمكن من درجات التطرف، وهو يدرك أنه لن يتأتى له ذلك إلا بعزله عن محيطه، وتحريضه ضد من يخالفه في الدين أو طريقة العيش من المسلمين.
وكان أول مستهدف من ذلك أستاذته في اللغة العربية، التي قررت تلقين تلاميذها هذه المادة عن طريق سماع أغان كتبت كلماتها بلغة القرآن. فقرر يوما أن ينفذ عملية إرهابية ضد هذه السيدة طعنا بخنجر. لكنه فشل في مخططه الإجرامي، ونجحت هذه السيدة في صده.
وعلى خلفية هذه الجريمة، يتم وضعه في أحد المراكز المتخصصة في محاربة التطرف لدى الشباب. وعلى الرغم من ذلك ظل أحمد متمسكا بأفكاره المتشددة، التي لقنه إياها الإمام المتطرف، بل ظهر في مشاهد يحاول معاودة هجومه على أستاذته. حتى تمكن يوما من الفرار من المركز، وتوجه إلى منزل الأستاذة مرة أخرى محملا بمسمار ضخم، ثم حاول اقتحام بيتها انطلاقا من السطح إلا أنه وقع أرضا.
كانت إصابته خطيرة، لم يتمكن معها من الوقوف، ولم يجد أمامه إلا أستاذته التي فتحت الباب فجأة لتجده ممدا على الأرض. وهي لحظات قوية، اختارها المخرجان بمهنية السينمائيين الكبار، تغير على إثرها مجرى الانسياب السردي للقصة، ليأتيا بنفس جديد لخاتمة الفيلم، خاصة عندما طلب أحمد السماح من أستاذته التي ظل يطاردها لأجل قتلها.
جمالية السينما لدى الأخوين داردان
لقد انتصر الإمام المتشدد، للأسف، في هذه المعركة المصيرية على أسرة أحمد. وفازت بذلك قوة الشر على حب الحياة لدى هذا المراهق، الذي أصبح يعادي أشكالها الطبيعية كما يظهر الفيلم، كمقاطعته لسماع الأغاني، وهذا نتيجة الشحن المتواصل لدماغه بالأفكار القاتلة من قبل هذا الإمام الحقود على الحضارة الغربية وثقافتها، والذي كان يرى في أحمد الصغير مشروع جهادي في المستقبل ضدها.
الفيلم يعطي صورة عن جهود الدولة البلجيكية في محاربة سرطان التطرف، إلا أنه يشير في الوقت نفسه إلى أنه ربما لا تكون المقاربة صحيحة مئة بالمئة. فبرغم المصاحبة التي حظي بها أحمد، إلا أنه ظل محافظا على أفكاره المتشددة التي وقع ضحية لها في سن مبكرة. ومن هذا المنطلق، يفهم أن المخرجين البلجيكيين يلفتان إلى أن سرطان التطرف لدى هذا المراهق كان في مرحلة متقدمة، ولم يعد ينفع معه أي نوع من أنواع العلاج.
كما أن الفيلم يضع المشاهد أمام مفارقة غريبة، وهذا من جماليات السينما أيضا، فكيف ظل أحمد الصغير المتشدد يطارد أستاذته بهدف قتلها، وفجأة، وفي آخر لحظة من الفيلم، يغير رأيه ويطالب الصفح منها وهو عاجز عن الوقوف؟ فالمخرجان وضعا المشاهد أمام تساؤلات في إطار خاتمة مفتوحة، تسمح لكل مشاهد اعتماد القراءة التي يراها مناسبة لخاتمة الفيلم.
بوعلام غبشي
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك