جيل غرساني: "أزمة فيروس كورونا فرصة لإعادة النظر في العلاقات الدولية وجعلها أكثر توازنا"

جيل غرسياني أستاذ في معهد العلوم السياسية بباريس
جيل غرسياني أستاذ في معهد العلوم السياسية بباريس © طاهر هاني

في حوار مع فرانس24، أكد جيل غرساني، وهو أستاذ محاضر في معهد العلوم السياسية بباريس ومسؤول فريق الباحثين في مجلة "القارة الكبرى" التي تصدر باللغة الفرنسية، أن فيروس كورونا يشكل فرصة سانحة لإعادة بناء نظام دولي جديد يرتكز على أسس المساواة والعدالة في توزيع الثروات الاقتصادية.  

إعلان

ما هي الصورة التي سيكون فيها العالم بعد نهاية أزمة "كوفيد 19"؟  وما هي التغييرات التي يمكن أن تطرأ على العلاقات الدولية، وهل ستشهد "القارة العجوز" ولادة فضاء أوروبي جديد يرتكز على التوازن والعدالة والتضامن بين الحكومات والشعوب؟ أم سيبقى هذا الفضاء رهينة الفكر الليبرالي المفرط؟ الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس، جيل غرساني، يجيب عن هذه التساؤلات وغيرها.

 يسعى العالم إلى القضاء على فيروس "كوفيد19"، فكيف ترى تأثير هذا الوباء على العلاقات الدولية؟

فيروس "كوفيد 19" يهدد أمن العالم بأسره. ويجب بالتالي التفكير بمواجهته بشكل جماعي وعلى نطاق عالمي. في الحقيقة، الأزمة الصحية التي نمر بها تشكل خطرا كبيرا على سيرورة العلاقات الدولية. فهي قادرة على زعزعة هذه العلاقات في حال لم يتم وضع إطار عام يراعي المصالح السياسية والاقتصادية المتناقضة لجميع الدول والشعوب.

وبما أن أزمة فيروس كورونا تحولت إلى أزمة عالمية، فهذا يشكل فرصة سانحة لإعادة النظر في العلاقات الدولية وجعلها أكثر توازنا وخدمة لكافة الشعوب. وإذا استخلصنا الدروس من الوضع الحالي، أعتقد أن وباء كورونا سيساهم في بناء علاقات جيوسياسية جديدة، خاصة وأن العالم مقبل على أزمة اقتصادية عميقة لا يدرك أحد نهايتها.

لكن للأسف، سيكون هناك رابحون وخاسرون من هذه الأزمة. والرابحون بإمكانهم أن يؤسسوا نظاما دوليا جديدا يخدم مصالح الإنسانية جمعاء.

ما هي الدروس التي يمكن أن نستخلصها من أزمة فيروس "كوفيد19" على المستوى الدولي؟

اللحظات التاريخية والنادرة التي نعيشها اليوم كشفت بشكل واضح التوترات وعلاقات القوة التي كانت مخفية في الإطار القديم للعلاقات الدولية.

طبعا لا يمكن أن نستخلص دروسا من هذه الأزمة في الوقت الحالي. كما يجب أيضا الابتعاد عن التأويلات البسيطة والاعتقادات الزائفة لبعض السياسيين وصناع الرأي، والذين يريدون استغلال أزمة "كوفيد 19" لتمرير خطاباتهم الداعية إلى الانغلاق على الذات وقفل الحدود مع تمجيد عنصر الهوية الوطنية على حساب الانفتاح على الآخرين والعيش في عالم متعدد الأقطاب.

للمزيد.. الكلوروكين "دواء سحري" أم علاج غير فعال؟

في اعتقادي، يجب مضاعفة المبادرات على المستوى الدولي، مثل المبادرة التي أطلقناها والمتمثلة في تأسيس المرصد الجيوسياسي لـ"كوفيد19". الهدف من هذا المرصد مواكبة الأزمة الصحية ونشر معلومات تثقيفية حوله مرتين في اليوم فضلا عن تقديم بعض الحلول لبناء مستقبل جديد.

نحن بحاجة من أي وقت مضى إلى رصد كل المعطيات المتعلقة بهذا الفيروس وحث المختصين في مجال الطب والاقتصاد والمتواجدين في جميع الدول لبناء عالم أفضل عندما يتم التغلب على هذا الفيروس القاتل الذي زعزع كل ركائز النظام العالمي السابق.

على الفاعلين والمؤثرين في النظام الدولي السابق أن يشددوا النظر في الدور الذي لعبوه قبل أزمة فيروس كورنا، وأن يساهموا الآن في فتح صفحة جديدة في العلاقات الدولية.

أزمة "كوفيد19" وضعت دول الاتحاد الأوروبي على المحك. كيف ستكون صورته بعد نهاية الأزمة الصحية؟

أزمة "كوفيد19" أظهرت مدى هشاشة الاقتصادات الأوروبية وقلة الإمكانيات التي تتمتع بها الدول الأوروبية. وما يزيد من حدة الأزمة أن المسائل الصحية لا تقع تحت مسؤولية الاتحاد الأوروبي مباشرة بل تحت طائلة الدول والحكومات.

 وهذا يعتبر مفارقة كبيرة. كم من مرة سمعت مسؤولين كبارا في الاتحاد الأوروبي يقولون بأن قضايا الصحة العامة تدخل في إطار مسؤولية الدول وليس الاتحاد الأوروبي؟ لكن اليوم الخطاب تغير إذ أصبحت أسمع نداءات تدعو الاتحاد الأوروبي إلى المزيد من التعاون للحيلولة دون تنامي انتشار وباء "كوفيد19".

التفكير القومي السائد لدى بعض السياسيين الأوروبيين لا يجب أن يخفي الأخطار الصحية المحدقة بنا أو يجعلنا نفكر بأن هذه الأخطار ليست أخطارا جهوية أو أوروبية بل تخص فقط كل بلد على انفراد.

وللحيلولة دون وقوع كارثة صحية وصدمة اقتصادية قد تهز الدول الأوروبية، علينا أن نفكر في سيناريوهات جديدة ترتكز أساسا على التعاون بين الدول والحكومات مثل التعاون الصحي الذي بدأ يظهر بين فرنسا وألمانيا وفرنسا ولوكسمبورغ من أجل تخفيف العبء على المستشفيات الفرنسية.

جون مونيه، أحد مؤسسي الاتحاد الأوروبي، قال ذات يوم: "الأزمات المختلفة ستكون عاملا بارزا ومسرعا في بناء الاتحاد الأوروبي". أوروبا الجديدة ستبنى على أسس علاقات التعاون والتنسيق التي يجب "اختراعها" في الأسابيع أو الأشهر القليلة المقبلة.

إيمانويل ماكرون تحدث عن ضرورة ابتكار طرق تنظيمية وتضامنية جديدة. كيف ترى هذه الطرق؟

بعد سنوات من الصعوبات والمشاكل، نشهد اليوم ظهور بوادر جديدة لإحياء الشراكة الفرنسية-الألمانية.

والدليل على ذلك هو التعاون الثنائي في مجال الصحة. والأزمة التي نمر بها ساعدت على استرجاع هذا التنسيق بين البلدين لمجابهتها. من جهة أخرى، أرى أن التقارب بين البلدين ثم بين جميع دول الاتحاد الأوروبي مصدره القرارات الجديدة التي اتخذها البنك المركزي الأوروبي لدعم اقتصادات دول الاتحاد من جهة وتعليق قاعدة ميثاق الاستقرار الأوروبي من جهة أخرى.

طاهر هاني 

 

 

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24