النقمة الشعبية تتفاقم في لبنان وحاكم المصرف المركزي يلوم غياب الإصلاحات

بيروت (أ ف ب) –

إعلان

تزداد النقمة الشعبية في لبنان جراء أزمة اقتصادية واجتماعية متسارعة عمقها الشلل الناتج عن تدابير الوقاية من وباء كوفيد-19، في وقت حمل حاكم المصرف المركزي الذي ينتقد مسؤولون أداءه، الأربعاء، غياب الإصلاحات الحكومية مسؤولية الإنهيار المالي في البلاد.

وبعد أسابيع من هدوء نتج خصوصا عن إجراءات الوقاية من فيروس كورونا المستجد، عاد مئات اللبنانيين إلى الشوارع رافعين الصوت عالياً ضد ارتفاع الأسعار وانهيار سعر صرف الليرة، خصوصاً في مدينة طرابلس (شمال) التي شهدت خلال اليومين الماضيين مواجهات بين الجيش ومحتجين أودت بحياة شخص.

وأفادت مراسلة لوكالة فرانس برس الأربعاء عن بدء تجمع عدد من الشبان في منطقة الميناء قرب طرابلس بعد ظهر الأربعاء، وإقدامهم على قطع طريق رئيسي احتجاجاً على اعتقال الجيش عددا من المحتجين الثلاثاء. وقال محمد خليل (34 عاماً) "أنزل إلى الشارع لأنني عاطل عن العمل ولم أعد قادراً على تأمين طعام أولادي الثلاثة"، مضيفاً "خسرنا كامل قدرتنا الشرائية والدولة لا تقف بجانبنا".

وبدت آثار مواجهات الليلة الماضية واضحة في طرابلس بعد تخريب واجهات مصارف عدة وتكسير زجاج محال وسيارات. ويحمّل المتظاهرون المصارف جزءاً من مسؤولية الضيق الذي يعانون منه خصوصاً نتيجة الإجراءات المشددة التي تفرضها على سحب الودائع وامتناعها عن إعطائهم مبالغ بالدولار، حتى لو كانت ودائعهم بالعملة الأميركية.

وأسفرت المواجهات التي أطلقت خلالها القوات المسلحة الغاز المسيل لدموع والأعيرة المطاطية لتفريق المتظاهرين الذين رشقوها بالحجارة، منذ الاثنين عن مقتل متظاهر وإصابة نحو 50 آخرين بجروح. وتحدث الجيش بدوره عن 40 إصابة في صفوف عسكرييه.

- "القوة المفرطة" -

ودانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" استخدام الجيش "للقوة المفرطة غير المبررة" في مواجهة متظاهري طرابس.

وقالت آية مجذوب، الباحثة في شؤون لبنان والبحرين في المنظمة، "طرابلس إحدى أفقر مدن لبنان، والحكومة اللبنانية لم تضمن حق الناس بالحصول على الطعام وضروريات الحياة الأخرى. استخدام الجيش للقوة القاتلة فاقم الوضع وقَتَل شابا كان يطالب بحقوقه".

ويشهد لبنان أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ الحرب الأهلية (1975-1990)، وقد تفاقمت مع فرض تدابير العزل لمحاولة احتواء تفشي فيروس كورونا المستجدّ.

ويحتج المتظاهرون على الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الاستهلاكية وخسارة قدرتهم الشرائية مع تدهور قيمة الليرة. ويشكو كثيرون من عدم قدرتهم على تأمين لقمة عيشهم.

وبحسب تقديرات رسمية، يرزح 45 في المئة من اللبنانيين حالياً تحت خط الفقر. وخسر عشرات الآلاف مورد رزقهم أو جزءاً من رواتبهم خلال الأشهر الستة الماضية. وأقفلت مجمعات تجارية وفنادق عريقة وشركات صغيرة ومتوسطة أبوابها.

وفي خضم الانهيار الاقتصادي والمالي، شهدت الأيام الماضية حرباً كلامية بين مسؤولين لبنانيين حاليين وسابقين تبادلوا الاتهامات حول ما آلت إليه الأمور.

ومنذ توليها مهامها مطلع العام، أعلنت الحكومة أنها ستنكبّ على وضع خطة إنقاذية للنهوض بالاقتصاد وإجراء إصلاحات ملحة، من دون أن تنجح بعد في بلورة حلول عملية وسط تفاعل أزمة السيولة وشح الدولار.

- تبادل الاتهامات -

وتوجه حاكم المصرف المركزي الأربعاء بكلمة متلفزة إلى اللبنانيين، أعلن فيها أن امتناع الحكومات المتعاقبة عن إجراء إصلاحات بنيوية للاقتصاد هي سبب الأزمة.

وقال في كلمته التي استغرقت حوالى الساعة "موّلنا جزءاً من حاجات الدولة" كما فعلت مؤسسات دولية أخرى، لأنه "كانت هناك وعود بالإصلاح من الدولة، وهذه الوعود لم تترجم لأسباب سياسية. فتارة كانت هناك أوقات فراغ طويل في سدة الحكومة، وطورا فراغ طويل في سدة رئاسة الجمهورية، وتعطيل في أعمال مجلس النواب".

وأضاف "لا أعرف إذا كانت هناك إرادة فعلا للإصلاحات، لكن البنك المركزي كان دائماً يطالب بها".

ويشترط المجتمع الدولي على لبنان إجراء إصلاحات "عاجلة" لتقديم أي مساعدة مالية له أبرزها 11 مليار دولار تعهد بها خلال مؤتمر "سيدر" الذي عقد في باريس العام 2018.

وانتقد رئيس الحكومة اللبناني حسان دياب الأسبوع الماضي رياض سلامة بشدّة، وحمله مسؤولية التدهور السريع في سعر صرف الليرة التي تخطت الأربعة آلاف مقابل الدولار في السوق السوداء. كما أعلن تكليف شركة دولية للتدقيق في حسابات المصرف المركزي، ودعا سلامة الى أن "يعلن لللبنانيين الحقائق بصراحة".

وقال سلامة اليوم في رد واضح على الانتقادات، "البنك المركزي موّل الدولة ولكنه لم يصرف الأموال. هناك من صرف الأموال، ويجب ان نعرف من الذي صرف الأموال"، مطالبا الدولة ب"الكشف عن كيفية الإنفاق".

وكان ينظر الى سلامة على أنه عراب استقرار الليرة لعقود في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، لكن قوى سياسية عدة تعتبره "عراب" سياسة الاستدانة التي قامت بها الحكومات المتعاقبة، الى ان بلغت ديون لبنان 92 مليار دولار. وأعلنت الحكومة الشهر الماضي توقفها عن سداد ديونها الخارجية في إطار إعادة هيكلة شاملة للدين.

وفاقمت إجراءات الاغلاق التي اتخذتها الحكومة منذ منتصف آذار/مارس في إطار مكافحة فيروس كورونا الذي سجل 721 إصابة بينها 24 وفاة، الأعباء المعيشية الملقاة على عاتق المواطنين.

وبدأت الأزمة تتفاقم منذ بداية الخريف الماضي، ما دفع آلاف اللبنانيين الى الشارع في 17 تشرين الأول/أكتوبر. واستقالت الحكومة السابق برئاسة سعد الحريري تحت ضغط الشارع.

ويعاني لبنان منذ سنوات طويلة من أزمات سياسية متلاحقة وانقسامات عميقة منها اصطفافات إقليمية وطائفية، حالت دون تحقيق أي إنجاز على صعيد تطوير البنى التحتية وتحفيز الاستثمارات وتنشيط الاقتصاد.