مشروع دستور "الجزائر الجديدة" لا يلقى إجماعا

الجزائر (أ ف ب) –

إعلان

بمجرد وصوله الى سدة الحكم بدأ الرئيس الجزائري الجديد بتنفيذ وعده الانتخابي بتعديل دستور سلفه عبد العزيز بوتفليقة الذي احتكر كل صلاحيات السلطة التنفيذية في يده، ووعد عبد المجيد تبون بتقليص هذه الصلاحيات لكن ذلك لم يقنع المعارضة والخبراء.

ومنذ اليوم الأول لانتخابه مدّ عبد المجيد تبون يد الحوار للحراك الشعبي الذي قاطع بشكل واسع الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 كانون الأول/ديسمبر. ووعد الرئيس الجديد بتعديل "عميق" للدستور من اجل بناء "جمهورية جديدة".

لكن الحراك عبر عن رفضه التام لعرض الحوار من خلال تظاهرات استمرت دون انقطاع كل يوم جمعة منذ 56 أسبوعا قبل أن تتوقف بسبب تفشي وباء كورونا المستجد.

وبعد أن تمكن من دفع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة للاستقالة في نيسان/ابريل بعد عشرين سنة في الحكم، أصبح المطلب الأساسي للحراك هو تغيير كامل للنظام الذي حكم البلاد منذ استقلالها في 1962.

وفي كانون الثاني/يناير، نصّب عبد المجيد تبون لجنة خبراء في القانون كلّفها بإعداد مسودة يتم عرضها للمشاورات العامة ومناقشة البرلمان ثم للاستفتاء العام.

وانتهت هذه اللجنة من عملها وأعدت مجموعة اقتراحات قدمتها لرئيس الجمهورية في 26 آذار/مارس، لكن انتشار الوباء أخر الإعلان عنها إلى السابع من أيار/مايو.

وتضمن تقرير اللجنة 73 اقتراحا مقسمة على ستة محاور، منها "تعزيز الفصل بين السلطات وتوازنها" التي تخص صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والبرلمان.

-"كسب الوقت"-

وبالموازاة مع ذلك قام تبون بعقد لقاءات تشاور مع شخصيات -- يعتبر بعضها قريبًا من الحراك -- من أجل جمع اقتراحاتها لكتابة "دستور توافقي".

وذكر تبون في خطاب غداة مرور سنة على الحراك أن التعديل الدستوري يمليه "التزامنا بضرورة التعبير عن طموحات الشعب ازاء التغيرات التي أفرزها الحراك الشعبي المبارك والذي أكدت في كل مرة التزامي بتلبية مطالبه".

لكن تحالفا للمعارضة منضويا تحت مظلة "عقد البديل الديمقراطي" لا يريد أن يعترف بالانتخابات الرئاسية ولا بالرئيس المنبثق عنها، ورفض أي مبادرة حول تعديل الدستور منذ الإعلان عنها.

وبحسب التحالف الذي يضم أحزابا ومنظمات جمعيات ونقابات، فإن "تلبية التطلعات المشروعة للشعب الجزائري" تمر عبر "مؤسسات انتقالية" هي من تعدّ دستورا جديدا وليس تعديل الدستور الموروث من 20 سنة من حكم بوتفليقة.

وبعد نشر اقتراحات لجنة الخبراء عاد للتذكير بأن "أزمة الشرعية التي ضربت النظام منذ الاستقلال الوطني لا يمكن حلها عن طريق إجراءات ترقيعية" كما جاء في بيان الجمعة.

واعتبر استاذ القانون بجامعة الجزائر، إسماعيل معراف أن التعديل الدستوري الذي بادر به تبون "مجرد ربح للوقت وكسب بعضا من المشروعية لتعويض الشرعية المفقودة".

وفي خطاب تأدية اليمين وعد تبون بأن الدستور المعدّل "سيقلص من صلاحيات رئيس الجمهورية و يحمي البلد من الحكم الفردي و يضمن الفصل بين السلطات و يخلق التوازن بينها و سيشدد مكافحة الفساد و يحمي حرية التظاهر".

وبرأي ماسنسن شربي المختص في القانون الدستوري الجزائري فإن ما وعد به خليفة بوتفليقة "يشبه ما صرحت به رئاسة الجمهورية في 2014 والذي أدى إلى التعديل الدستوري في 2016".

وفي 2014 أعيد انتخاب عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة رغم مرضه الشديد الناتج عن جلطة في الدماغ أفقدته القدرة على الحركة والكلام. وفي محاولة لإسكات الغضب الشعبي قام بتعديل الدستور في 2016 واهم ما تضمنه تحديد الولايات الرئيسية بولايتين فقط، لكن دون أثر رجعي ما يعني ان لبوتفليقة الحق في الترشح لولاية خامسة.

وكان هذا الترشح وراء خروج الجزائريين في مظاهرات حاشدة في 22 شباط/فبراير 2019.

وأضاف شربي "لن يكون هناك دستورا جديدا وإنما تعديل للدستور لن يمس الجوهر بمعنى تركيز السلطات في يد رئيس الجمهورية".

-"استمرارية"-

وهو ما حصل فعلا بحسب أحد اعضاء لجنة الخبراء، القاضي بالمحكمة الافريقية لحقوق الانسان، فاتح أوقرقوز، الذي استقال في بداية نيسان/أبريل.

وجاء في رسالة استقالة وجهها للرئيس تبون"هذه المسودة الأولية هي بشكل أساسي استمرارية للدستور الحالي". وتأسف لأن "عمل اللجنة لم يؤد إلى" مراجعة عميقة للدستور" لبناء "الجزائر الجديدة التي طالبتم بها".

وبحسب دستور 2016 فإن رئيس الجمهورية وحده رئيس السلطة التنفيذية بينما رئيس الوزراء ليس إلا منفذا لبرنامجه ومنسقا لعمل الحكومة. كما يحتفظ الرئيس وحده بصلاحية التعيينات في الدولة من البلدية إلى رئيس الوزراء مرورا بالأجهزة الامنية وقادة الجيش.

وهو ما رآه معراف أيضا في تصريح لوكالة فرنس برس "أعطت التعديلات بعضا من الصلاحيات للحكومة والبرلمان لكن القرار سيبقي بيد الرئيس في المسائل الجوهرية".

وأعادت التعديلات المقترحة بعض السلطات للحكومة التي "تنفد برنامج الأغلبية البرلمانية" وليس برنامج رئيس الجمهورية ككما هو حاليا،

بل إن ماسنسن شربي الذي ناقش مؤخرا رسالة دكتوراه حول الدستور الجزائري بجامعة باريس 2، يعتقد أنه "ماعدا بعض التفاصيل فإن صلاحيات الرئيس لم تتغير منذ دستور 1976 للعقيد بومدين (هواري، رئيس الجزائر 1965-1979) حتى انها تعزّزت في دستور 1996 مع الثلث الرئاسي".

والثلث الرئاسي هم مجموع أعضاء مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) الذين يعينهم الرئيس دون المرور عبر الانتخاب.

ومنذ وصول بوتفليقة الى الحكم في 1999 عدّل الدستور ثلاث مرات، وكل مرة من اجل ايجاد حل لمشكلة مستعجلة.

فقام بتعديل 2002 من اجل إدراج اللغة الامازيغية كلغة وطنية، للرد على التظاهرات الدامية في منطقة القبائل وأسفرت عن 126 قتيلا.

وفي 2008 عندما ألغى تحديد الولايات الرئاسية ليترشح لولاية ثالثة في 2009 ورابعة في 2014 وخامسة في 2019 لولا أن الحراك أسقطها.

ووعد تبون بالانتهاء من "الاصلاح السياسي" قبل نهاية العام بتغيير قانون الانتخابات و"الخروج بمؤسسات قوية".